معنى كلام الله لموسى
وسألت عن قول الله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، فقلت : كيف كان الكلام من الله عزوجل لموسى عليهالسلام؟ وما معنى قوله : (تَكْلِيماً)؟
واعلم هداك الله أن الله تبارك وتعالى لم يوح إلى أحد من الأنبياء إلا على لسان الملك الكريم جبريل عليهالسلام ، وكذلك إلى موسى صلى الله عليه ، وقد كان منه الإيحاء إليه على لسان جبريل ، حتى كان في هذا الوقت الذي ذكره الله ـ جل جلاله عن أن يحويه قول الله أو يناله ـ فكان من الله إليه ما ذكر الله سبحانه من الكلام له عليهالسلام ، وكان معنى ذلك أن الله خلق له كلاما في الشجرة ، سمعه موسى بإذنه كما كان يسمع ما يأتي به الملك إليه من وحي ربه ، فكان فهم موسى وسماعه لذلك الكلام الذي شاء الله إسماعه إياه لما أراد من كرامته واجتبائه ، كفهمه لما به كان يأتيه جبريل عن الله من وحيه سواء سواء ، فلما أن لم يكن بين الله سبحانه وبين موسى صلى الله عليه لهذا الكلام المخلوق في الشجرة مؤد يؤديه إليه ، كما كان يكون فعله في غيره مما ينزله عليه ، جاز أن يقول : (كَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ، يريد أسمع موسى وأبلغه ما كان يريد من الكلام والوحي إسماعا بلا مؤد لذلك إليه ، فلما أن لم يكن بين الله وبين موسى مؤد للكلام إلى موسى ، وكان المتولي لجعل الكلام وفعله وخلقه على ما سمعه موسى من البيان والكفاية والتبيان ، قال الله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤]. ومعنى تكليما : هو تأكيد للإخبار منه عزوجل بما كان من عجيب فعله ، وعظيم قدرته ، وظاهر برهانه ، وما ازداد موسى به بصيرة إلى بصيرته ، من خلقه لكلام ينطق بغير لسان ، كما ينطق به ذو اللهوات والأدوات واللسان والآلات ، فهذا معنى قوله : (تَكْلِيماً) ، لا ما يقول به الجاهلون ، وينسب إلى الله الضالون ، من تشبيهه بخلقه ، ونسب الكلام إليه على طريق التكلم به ، كما يعقلون في كلام الآدميين ، ويعرفون من كلام المخلوقين ، تعالى عن ذلك أرحم الراحمين ، وجل أن يكون كذلك رب العالمين.