يعبد الطاغوت؟ وقال : إن أنكروا أن الله جعل منهم القردة والخنازير وعبدة (٣٣٨) الطاغوت ، فقد كذبوا الله ؛ وإن أقروا ، فقد رجعوا عن قولهم. ولم يا ويحه وويله إن لم يتب من الله وغوله؟ ألا تسمع كيف فرق الله عزوجل بين فعله وفعل عبيده؟ ألا ترى أن مسخه لمن مسخ لم يكن لهم فيه فعل بل نزل بهم وهم له كارهون ، وحل بهم وهم عليه مكرهون ، وأن عبادة الطاغوت كانت منهم ، وأنها بلا شك مقالتهم؟ فبين ما دخلوا فيه طائعين وله متخيرين ، وبين ما فعل بهم مجبورين وبه معاقبين فرق عند ذي العلم من أهل المعرفة والحكم.
فنقول في ذلك : إن الله لم يأخذهم ولم يجعل منهم ما جعل من القردة والخنازير ، ومسخ منهم من مسخ من المذنبين إلا بعد الإعذار والإنذار مرارا بعد مرار ، فلما أبوا وعموا عن أمره سبحانه ، وخالفوا أخذوا بذنوبهم ، فلم يجدوا من دون الله وليا ولا نصيرا.
وأما قوله : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) ، فإن ذلك مردود على أول الآية ، وهو مقدّم في المعنى ، وكثير مثل ذلك على ما يكون على التقديم والتأخير ، يعلمه من عباده العالم الخبير ، فمعناه : أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وعبد الطاغوت ، وجعل منهم القردة والخنازير ؛ أراد أن من عبد الطاغوت فهو شر من ذلك ، فهذا موضع ما ظن من (عَبَدَ الطَّاغُوتَ) ، ألا ترى كيف أهلك من كان كذلك؟ ومن اجترأ من الخلق كاجتراء أولئك.
وكذلك قولنا فيما توهم وذهب إليه ، فأهلك وهلك ، ولله الحمد فيه ، فقال : إن الله جعل في المجرمين ذلك وابتلاهم به وحملهم عليه ؛ ثم احتج في ذلك من قول الله عزوجل ـ بما عليه لا له ـ فقال : قد قال الله فيما قلنا وبه تكلمنا : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) ، فقال : ألا ترون أن الله قد جعل في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ، فقد جعلهم مكارين ، وقضى به عليهم ، وركبه فيهم.
__________________
(٣٣٨) في (ب) : عبد.