عملنا من طاعة أو معصية ، ونحن عملناها جميعا. وكذلك قال أيضا : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم : ٢٤] ، ألا ترون أن الله سبحانه خلق الثمرة في الشجرة ، وأخرجها منها ، ونسب الخروج منها إليها ، وقال : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها)؟ وكذلك أعمال العباد ، خلقها ثم نسبها إليهم ، وأخبر أنهم عملوها.
المسألة الحادية والأربعون : هل العباد مجبورون على الأعمال؟
فإن قالوا : أخبرونا عن العباد ، أمجبورون على الأعمال ، من الإيمان والكفر والمعصية؟ أم لا؟ فقل : منهم من هو مجبور على ذلك ، ومنهم من هو غير مجبور. فأما الذين جبروا على الطاعة فمنهم أهل مكة ، افتتحها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قسرا ، فأسلموا كرها ، ولو لم يسلموا قتلهم ، واستحل دماءهم وأموالهم ؛ فهذا وجه القسر والجبر. وأما الوجه الآخر : فإن الله تبارك وتعالى قد قذف في قلوبهم الهدى ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، ثم قال : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات : ٧] ، وقد قال في كتابه : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران : ٨٣].
فإن قالوا : أخبرونا عن المشركين الذين لم يسلموا ، أجبروا على الشرك؟ فيقال لهم : إن المشركين لم يريدوا الإسلام ، فيجبروا على الشرك ؛ ذلك أنهم لو أرادوا الإيمان فأكرهوا على الشرك [لكانوا مجبورين] (٣٨٨) ؛ كما [لو] (٣٨٩) أراد المشركون الشرك ورضوا به ، وأراد الله أن يهديهم فجبرهم على الهدى وهم كارهون. فإن قالوا : فإن لم يكونوا مجبورين ولا مكرهين ، فهل يستطيعون ترك الشرك وقبول الهدى؟ فقل : لا ؛ إلا أن يشاء الله. فإن قالوا : فكيف لا يكونون مجبورين ، ولا يستطيعون أن يتركوا شركهم؟ فقل :
__________________
(٣٨٨) زيادة لتستقيم العبارة.
(٣٨٩) زيادة لتستقيم العبارة.