فقولنا في ذلك : أنّ جعل الله لهم هو خلقه لهم (٣٣٩) ، وتصويرهم في كل قرية كما صور غيرهم. وأما قوله : (لِيَمْكُرُوا) ، فإنما أراد الله سبحانه : لأن لا يمكروا ؛ فطرح (لا) وهو يريدها استخفافا لها ، والقرآن فبلسان العرب نزل ، وهذا تفعله العرب تطرح (لا) وهي تريدها ، وتأتي بها وهي لا تريدها ، فيخرج اللفظ بخلاف المعنى ؛ يخرج اللفظ لفظ نفي وهو إيجاب ، ويخرج لفظ إيجاب وهو معنى نفي ، قال الله عزوجل : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : ٢٩] ، فقال : (لِئَلَّا) ، فخرج لفظها لفظ نفي ومعناها معنى إيجاب ، فأتى ب (لا) وهو لا يريدها ، وإنما معناها : ليعلم أهل الكتاب. وقال : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [آل عمران : ١٧٨] ، فخرج اللفظ لفظ إيجاب ومعناها نفي ، يريد سبحانه : لئلا يزدادوا إثما.
وقال الشاعر :
ما زال ذو الخيرات لا يقول |
|
ويصدق القول ولا يحول |
فقال : لا يقول ؛ وإنما يريد : يقول ؛ فأدخلها وهو لا يريدها ، ووصل بها كلامه ليتم له بيته استخفافا لها. وقال آخر :
بيوم جدود لا فضحتم أباكم |
|
وسالمتموا والخيل يدمى شكيمها (٣٤٠) |
فقال : لا فضحتم أباكم ؛ وإنما يريد : فضحتم ؛ فأدخلها وهو لا يريدها. وقال آخر :
نزلتم منزل الأضياف منا |
|
فعجلنا القرى أن تشتمونا |
فقال : أن تشتمونا ؛ فخرج لفظها لفظ إيجاب في قوله : أن تشتمونا ؛ ومعناها معنى نفي ، أراد : لأن لا تشتمونا.
وأما ما قال وذكر ، واحتج به مما لا يعرفه وسطر ، فقال : قال الله في قوم فرعون :
__________________
(٣٣٩) في (ب) : أن الله جعله لهم هو خلقهم.
(٣٤٠) في الأصل : وحاربتم.