لهم فجاز أن يقول : (زَيَّنَّا لَهُمْ) ، إذ قد تفضلنا وأمهلنا وأحسنا في التأني بكم ورحمنا ، وكذلك تقول العرب لعبيدها ، يقول الرجل لمملوكه إذا تركه من العقوبة على ذنب من بعد ذنب ، وتأنى به وعفا عنه وصفح ليرجع ويصلح فتمادى في العصيان ، ولم يشكر من سيده الإحسان ، فيقول له سيده : أنا زينت لك وأطمعتك فيما أنت فيه إذ تركتك وتأنيت بك ، ولم آخذك ولم أعاجلك. فهذا على مجاز الكلام المعروف عند أهل الفصاحة والتمام.
وأما الآية التي في حم السجدة [(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [فصلت : ٢٥]] ، فكذلك ، الله أوجد القرناء وخلقهم ، ولم يجمع بينهم وبين من أطاعهم ، ولم يأمرهم بطاعتهم ، ولا اتباعهم ، بل حضهم (٣٣٢) على مخالفتهم ، وأخبر بعداوتهم ، ونهاهم عن اتباع الهوى ، فقال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) [الكهف : ٢٨] ، (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم : ١٠] ، وقال فيمن يأمر ويوسوس بالسوء من الشياطين : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦] ، فبين كل ما افترض وأمر به ، فلم يترك لذي علة قبله متعلقا ، فكان تقييضه لهم ما ذكر من القرناء هو تخليته لهم وتبرئه منهم ، وترك الدفع لنوازل الأسواء عنهم ، وذلك فيما تقدم عنهم من الكفر بربهم والشرك بخالقهم.
تم جواب مسألته
وبتمامها (٣٣٣) تم الجزء الأول ؛ والحمد لله كثيرا ، وصلواته على خير خلقه محمد النبي وآله الطيبين وسلامه ، (وحسبنا الله وحده وكفى) (٣٣٤) ويتلوه الجزء الثاني من مسائل الحسن بن محمد بن الحنفية ، في تثبيت الجبر والتشبيه ، ورد الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين
__________________
(٣٣٢) في (ب) : حظهم.
(٣٣٣) سقطت من (أ).
(٣٣٤) سقطت من (ب).