إرادة الله لإخباره
فإن قال قائل : قد فهمنا ما احتججتم به في الفرق بين إرادة الله في فعله وإرادة الله فيما سوى ذلك من فعل غيره ، فما عندكم فيما قصه الله وذكره وأخبر به من أخبار الآخرة ، وقيام الساعة ، فهل أراد تبارك وتعالى أن تقوم القيامة ، ويكون الثواب ، ويقع بأهله العقاب؟ فقد نجده قد أخبرنا بذلك كله ، فهل أراده كما أراد الإخبار به؟
فقولنا : إن شاء الله لمن سأل عن ذلك ، إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخبر بما أخبر به ويذكر ما ذكر ، فكان ما أراد ، وكانت إرادته في ذلك هي المراد ، من الإخبار نفسه ، فأمّا أن يكون أراد أن تقوم القيامة ويقع الجزاء عند ما أخبر به من خبرهما فلم يرد ذلك ، ولو كان مراده فيه كذلك ، لكان أول الخلق قد واقع وعاين القيامة والجزاء ، وكان قد انقطع النسل والنماء ، وحل بالأولين دون الآخرين ما يتقى ، ولكنه سبحانه أخبر عما سيكون من فعله ، وهو سبحانه بغير شك يريد أن يقيمها في وقت ما شاء ، والوقت فهو في علمه معلوم مسمى ، فإذا أراد إقامتها قامت ، وإذا شاء أن يجليها تجلت ، ولم يشاء سبحانه أن يجليها ، إلا في وقتها الذي إليه أجلها كما قال سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف : ١٨٧] إلى آخر الآية ، فهو سبحانه يريد أن يقيمها لوقتها ، ولم يرد أن يقيمها في دون ما جعل من مدتها ، وبين يريد وأراد في اللغة واللسان ، فرق عند جميع أهل اللغة العربية والبيان ، لأن معنى يريد ، فهو سيفعل لا أنه قد فعل ، ومعنى أراد ، فهو أمضى وفعل لا سيفعل ، وبين الفعل المستقبل والفعل الماضي فرق في جميع المعاني من القول والإعراب ، وغير ذلك من غوامض الأسباب ، يعرفه ويعلمه ويقف عليه ذوو الألباب ، وليس من قيل له إنه يريد أن يفعل كذا وكذا في الحكم ، كمن قيل له إنه قد فعل ما به أقدم وعليه اجترى ، والحكم عليه من الله ومن رسوله ومن الأئمة الهادين بالقطع