باب ذكر المنافقين
وذكر الله المنافقين في كتابه وأخبر بصفتهم وفرق بينهم وبين أهل الكبائر من أهل الصلاة فقال عزوجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] ، وفسقة قومنا لا يستهزءون بالله ولا بالنبي. وقال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥] ، وقال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢] ، وأهل الكبائر لا يقولون ذلك. وقال سبحانه : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] إلى قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون : ٨] ، فهذه صفة المنافقين وليست بصفة أهل الكبائر وأهل الحدود من أهل الصلاة.
وقال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] إلى قوله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء : ١٤٣] ، ومن أهل الكبائر من يقوم إلى الصلاة نشاطا ، ولا يرائي بها أحدا ، ويكثر ذكر الله ، وليسوا بمرتدين ، ولكنهم آثروا شهوتهم ، فبعضهم يوجب الوعيد على نفسه ويؤمل التوبة ، وبعضهم يدين بدين المرجئة. وقال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم : ٩] ، وقال : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤] الآية.
والنفاق في كلام العرب : إظهار الإيمان وإسرار الكفر. وهو الرياء ؛ لأن الرياء إظهار الخير وإسرار الشر. والفساق قد أظهروا الفسوق ولم يسروه ويكتموه ، فبرءوا بذلك من النفاق ، كما أن المرائي إذا أظهر ما في قلبه من الشر فقد بري من الرياء ، وصار فاجرا فاسقا ، وكذلك المنافقون لو أظهروا ما في قلوبهم من الكفر والنفاق لكانوا مجاهرين بالكفر ، وزال عنهم اسم النفاق ، ولزمهم اسم الكفر والشرك. فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن أصحاب الحدود من أهل الكبائر ليسوا بمنافقين ولا كفار ، وإنما هم فساق ظلمة فجار معتدون ، وفي هذا نقض قول من سماهم منافقين من أهل البدع.