بذلك الفعل بثوابه وعقابه. فافهم ذلك وميزه إن شاء الله.
ومما يحتجون به قول الله سبحانه : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النساء : ٧٨] ، فصدق الله عزوجل في قوله ، غير أنهم لم يفهموا التأويل ؛ لأنه يقول سبحانه : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] ، وليسوا من أولئك. وإنما أراد الله عزوجل أن ينقض على الكفار قولهم لأنه إنما كان الكفار إذا أصابهم مما يحبون من جميع الخير مثل : الخصب ، وزكاء الزرع ، وكثرة النسل ، ابتداء لهم من الله بالإحسان والمن ، وتوكيدا للحجة عليهم والإنعام ، قالوا : هذا من عند الله ؛ وإذا أخذهم الله بشيء من فعلهم ، وخبث نيّاتهم ، وعظم جرمهم ، وإكذابهم لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولما جاءهم به ، وابتلاهم الله بنقص الخصب ، وقلة المطر ، والزرع ، والنسل ، قالوا : شؤم محمد ، ومن معه. فأخبر الله سبحانه أن هذه الزيادة والنقصان في جميع ما ذكرنا من الله فقال : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، ثم شرح ذلك مبينا للخبر : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٨ ـ ٧٩] ، يقول : ثواب من الله سبحانه لكم على ما كان من الطاعة ، وخزي وعقاب منه سبحانه لكم على ما كان من أنفسكم من المعصية والعمل القبيح ، وترك الائتمار لأمره ، فيقول : ما أصابكم من الزيادة فيه والصلاح فمن نعم الله عليكم وتفضله وإحسانه إليكم ، وما أصابكم من نقصان ذلك وفساده فمن قبيح أعمالكم وسوء نياتكم ، وإصراركم على المعاصي ، وإنما دخل عليكم من أنفسكم لما فعلتم ما فعلتم حتى وجب الشنآن (١٧٤) عليكم بذلك الفعل من الله سبحانه ، وهذا تفسير ما جهلوا من ذلك.
ومما يحتجون به أيضا ، قول نوح عليهالسلام لقومه عند ما جادلهم في الله ، فأكثر ، فقالوا : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود : ٣٢] ، فقال نوح عليهالسلام : (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود :
__________________
(١٧٤) الشنآن : البغض.