رياضة النفس
وسألت عن رياضة النفس : ما هي وكيف تكون؟
واعلم رحمك الله ووفقك ، وهداك للرشد وسددك ، أن رياضة النفس على صنوف ، يجمع الصنوف المختلفة أصل واحد تكون فيه مؤتلفه ، وهو ترغيبها فيما أعد الله للمتقين ، وجعل سبحانه في الآخرة من الثواب للمؤمنين ، وحكم به من الفوز لأوليائه الصالحين ، والترهيب لها بما أعد الله للعاصين من العذاب المهين ، وشراب الحميم ، وطعام الزقوم ، وما أشبه ذلك من ألوان العذاب المقيم ، فهذا أصل رياضة النفس.
ومن فروع ذلك ما روي عن بعض الصالحين فيما كان يرهب به نفسه مما يشبهه بعذاب رب العالمين ، من أنه كان ربما لذع نفسه بالنار إذا طمعت أو همت بالمعصية أو طغت ، فإذا وجدت حرقة النار قال : هذا جزعك من هذه النار الصغيرة ، فكيف تدعيني إلى ما يدخلنى وإياك النار الكبيرة.
ومن رياضة النفس : ما ذكر عن بعض الصالحين من أنه كان يخلو ثم يخاصم نفسه بأرفع ما يكون من الصوت ، كما يخاصم الخصم خصمه ، ويحاور الضد ضده ، فيقول : فعلت بي كذا وكذا ، وفعلت بي كذا وكذا ، وهذا هلكتي وهلكتك ، وتلفي وتلفك ، فلا يزال كذلك حتى تنكسر له نفسه ، وتراجع له.
ومن رياضة النفس : ما هو فرع للأصلين اللذين أثبتناهما ، وذكرناهما لك وفسرناهما : تذكرها للموت والفناء ، وخروجها مما تميل إليه من لذات الدنيا ، وانتقالها من دار سرورها ورخائها ، إلى دار فنائها وبلائها ، وما يكون من تمزق بدنها في الثرى ، ثم ما يكون من بعده من الحسرة في يوم الدين ، والمحاسبة لها من رب العالمين.
ومن رياضتها : تذكيرها هول الوقوف في يوم الحشر ، وما في كتاب الله من وصف حال يوم النشر.
فهذا وما كان متفرعا من الأصلين فهو رياضة النفس وتوقيفها ، وردها إلى الحق وتعريفها ، وأصل ذلك كله وفرعه والذي هو عون لصاحبه على نفسه فهو إخلاص النية إلى ربه ، والاستعانة به على نفسه ، فإن من خلصت له نيته ، وصلحت له علانيته ، أصلح