يلزم الله عبدا من عباده على فعل من أفعاله حكما حكم به عليه ، وجعله واجبا بفعله عليه في دار الآخرة الباقية ، ويزيله عنه في دار الدنيا الفانية؟ فهذا ما لا يكون ولا يصح في العقول ، بل كل ما كان عليه العبد من الفعل معاقبا في الآخرة فعقوبة الله له عليه في الدنيا لازمة ، وما سقطت عقوبة الله عنه فيه في الآخرة كانت عقوبته ساقطة عن فاعله في الدنيا. ألا ترى كيف أزحنا عن الجاهل بالحلال والحرام ، ومن لم يعرف ما تجري عليه فيه الحدود من الفعال العقوبة في الدنيا ، بتركنا له وطرحنا عنه ما ألزمناه غيره ممن فهم أمرنا ، ووقف على ما يلزم فيه أدبنا ، وتجب به عليه حدود ربنا. وإنما طرحنا ذلك عنه ولم نحكم به فيه ؛ لأن الله سبحانه أسقط عمن كان كذلك عقوبة الآخرة ، فلما سقطت عنه عقوبة الله في الآخرة زالت عنه في الدنيا عقوبة الأئمة.
فافهم الفرق بين المعنيين ، وقف بصافي فكرك ولبك على الحالين.
فأما ما يذكر عن جدي صلوات الله عليه محمد بن إبراهيم (٥٧٦) القائم بالكوفة ، الذي صحبه أبو السرايا (٥٧٧) ، من تخليته للسارق الذي خلاه ، وتركه لم يقطع يده ، وقوله في
__________________
(٥٧٦) الإمام محمد بن إبراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام. أحد الأئمة الدعاة إلى دين الله ، كان جامعا لخصال الفضل والكمال ، من عيون العترة وفضلائهم في عصره ، دعا إلى الله تعالى بالكوفة سنة ١٩٩ ه فبايعه فضلاء أهل البيت في عصره ، وغيرهم من علماء الأمة ، وكان بطلا شجاعا ، قال فيه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في الشافي : «إنه أشجع من ركب في الروح» ، وبعث دعاته بالآفاق ، فبعث أخاه الإمام القاسم بن إبراهيم إلى مصر ، وزيد بن موسى بن جعفر إلى البصرة. ورويت فيه أخبار تدل على فضله وتبشر به ، عن الإمام زيد ، وعن الإمام زين العابدين علي بن الحسين ، رواه في الشافي وفي مقاتل الطالبيين وفي الحدائق الوردية. وقتل في عصره من الجنود العباسية زهاء مائتي ألف من جنودهم ، وتوفي عليهالسلام شهيدا لليلة خلت من رجب سنة ١٩٩ ه ، وعمره ٢٦ سنة.
(٥٧٧) أبو السرايا ، اسمه السري بن منصور الشيباني ، أحد القادة العظماء ، والأمراء المخلصين في ولائهم لأهل البيت عليهمالسلام. كان شجاعا بطلا مقداما ، قائد الجيوش الإمامية النبوية في عهد