يفكه عن فرضها ، ولا يزيحه عن واجب أمرهما إلا القيام بهما ، والأثرة لهما ، أو الكفر لمن افترضهما ، كما قال الرحمن الرحيم في ما نزل من القرآن الكريم ، حين يقول تبارك وتعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة : ٤١].
ثم قال سبحانه قطعا منه لحجج المتعللين ، وإعذارا وإنذارا إلى العالمين ، وتثبيتا لفرضه الأكبر ، وإقامة لدينه الأوفر ، وحضا على ما به قوام الإسلام ، وصلاح دين محمد عليه وآله الصلاة والسلام : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : ٣٩].
ثم قال سبحانه إبانة منه للمتخلفين ، وتسمية منه لهم بأسماء الفاسقين ، وإخراجا لهم بذلك من معاني المؤمنين : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) ... إلى قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [التوبة : ٢٤] ، فجعل المتخلفين عن جهاد الظالمين في الحكم عنده سبحانه من الفاسقين.
وما ذكر به من ذلك أولئك ومن كان من الخلق كذلك فكثير في القرآن معلوم عند أهل المعرفة والبيان ، يطول شرحه لو شرحناه ، ويجزي ما ذكرناه عما تركناه. فكيف لا يكون من منع الجهاد وتعلل بالأموال والأولاد من أشر العباد عند ذي العزة والإياد ، وقد هتك الدين ، وباين رب العالمين ، وشرك في دماء المسلمين ، وقوى بذلك جميع الفاسقين ، فكان بخذلانه للدين وقعوده عن المحقين شريكا للكافرين ، ومعاضدا للفاجرين ، إذا كانت بخذلانه نيته وسطوته على المحقين بتخلف المتخلفين مظاهرة ، فكان محل الخاذل ، بخذلانه وقعوده عن الله سبحانه ، محل المحارب بمحاربته ، لا ينفك الخاذل للمؤمنين من المشاركة للفاسقين فيما نالوه من المتقين في حكم أحكم الحاكمين. فليتق الله ربه ، وليقس بفتره شبره ، وليترك عنه التعلات ، وليحذر من الله النقمات ؛ فقد وضح الحق لطالبه ، واستنار الرشد لصاحبه ، فلا عذر في تخلف المختلفين ، ولا حجة في تأويل المتأولين ، ولا بد من النصرة لرب العالمين ، أو الكفر بما أنزل على خاتم النبيين ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم.