المؤمنين من الأولين والآخرين ، فلقد جاهدوا أعداء الله واحتسبوا ، فلقوهم وجالدوهم وصابروهم ، والفسقة حينئذ أقوياء أعزاء ، جيوشهم جامعة ، وأموالهم كاملة ، وكلمتهم مؤتلفة ، وجماعتهم غير مختلفة ، فصفوا لهم الصفوف ، وضربوا وجوههم بالسيوف ، ووفوا الله بعهده ، فقاموا له فيه بأمره ، صابرين محتسبين ، ولذلك من فعلهم متخيرين ، حتى لحقوا بالله مستشهدين ، كراما طيبين مطيبين ، فائزين بالثواب ، ناجين من العقاب ، قد فازوا بالرضى والرضوان ، يتقلبون في عرصات الجنان ، (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) ، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور : ٢٤ ـ ٢٨]
فاجتهدوا رحمكم الله واستغفروا ، وقوموا لله بما أمركم به ولا تقصروا ، ولا تركنوا إلى الخفض في الدنيا فتهلكوا ، وجدوا (٥٠٨) في جهاد أئمة الظلم تسعدوا ، إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد كبير ، فإنهم إخوان من مضى من إخوانهم في ارتكاب الردى ، والجري في ميادين الهوى ، والصد عن أبواب الهدى ، أهل الفسق والبغي ، حزب الشيطان ، أهل الجرأة على الله بالمخالفة والعصيان.
واعلموا رحمكم الله أن حكم الله فيهم وفيمن كان قبلهم واحد ، وسنته في الفسقة الأولين كسنته في الظلمة الآخرين ، وفي ذلك ما يقول رب العالمين : (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الفتح : ٢٣] ، وقال سبحانه : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨].
ألستم ترون رحمكم الله إلى أبواب النصر قد فتحت ، وعلامات ما تؤملون من دولة آل رسول الله قد أقبلت ، ودلالات ملكهم قد شرعت ، وأسباب ما وعد الله به نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد ثبتت ، وعلامات هلاك عدوهم قد وضحت ، وبوادر الرحمة قد أقبلت ، وإياكم قد أجنت وأظلت ، ولكم بالنصر والتوفيق قد قصدت ، فأقبلوا إليها ولا تدبروا ، وتلقوها بقبولها قبل أن تندموا ، ألستم ترون ما قد صار إليه أعداء الله وأعداؤكم
__________________
(٥٠٨) في (ج) : وجردوا.