بنواحي أشجارها. فحال العالم في علم ما دارس (٤٨١) من حكمه ، وحفظ وأحاط به من علمه ، كحال معرفة صاحب هذه الأرض بأرضه ، فاستدلال العالم واهتداؤه إلى قياس العلم والأحكام ، فيما يرد عليه من الحلال والحرام ، كاستدلال صاحب الأرض إلى أشجارها ، ومعرفته بما يبتغيه من ثمارها ، لا فرق بينهما ولا اختلاف عند ذي عقل فيهما ؛ بل اهتداء من هداه الله إلى علمه ، واستدلال من دله الله على غوامض حكمه ، أبين تبيانا (٤٨٢) ، وأنور في العقل برهانا من اهتداء صاحب الأرض في أرضه ومعرفته بما غرس من شجره.
والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، وسلام على المرسلين.
ثم اعلم أيها السائل أن كل قياس جاء مخالفا للكتاب ، أو جاء الكتاب له مخالفا ، حتى يكون كل واحد منهما ضد للآخر فلا يصح (٤٨٣) هذا القياس أبدا ، ولا يثبت معه تأويل ولا هدى ؛ لأنه مخالف للأصول ، ولم يكن ـ ولله الحمد ـ ثابتا في الفصول ، وفي ذلك ومثله وما كان من شكله ، ما يقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنه سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي ؛ فما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته ، وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله.». فجعل صلىاللهعليهوآله الكتاب إماما لكل ما روي عنه ، أو قيل إنه منه ؛ يعرض عليه ، فإن جاء مثله ، علم أنه من قوله ، وإن جاء مضادا لشيء منه ، علم أنه ليس عنه. فهذا في الآثار المذكورة عن الرسول ، فكيف فيما سواها من القياس الذي يتعاطاه ويطلبه بعض الناس ، فلعمري لا يصح من قياسهم ، ولا يجوز من مقالهم ، إلا ما يشهد له الكتاب والسنة ، وكانت الموافقة لهما منه نيرة بينه ، فعند موافقة القياس للكتاب يصح القياس في الألباب ، وعند مخالفة القياس للكتاب يبطل ويفسد في جميع الأسباب. فليفهم
__________________
(٤٨١) في (ب) : داوس.
(٤٨٢) في (ج) : بيانا.
(٤٨٣) في (أ) و (د) : يصلح.