الْعَظِيمُ وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف : ١٠ ـ ١٣]. صدق الله سبحانه إن ذلك للتجارة الكبرى ، والكرامة الجليلة العظمى ، والحظ العظيم ، والأمر الجسيم ، الذي جل ذكره ، وعظم قدره ، وحسن ـ عند الله مآب فاعله ، وجل لديه سبحانه خطر القائم به. جعله له سبحانه مؤتمنا على خلقه ، ومرشدا إلى أمره ، خصه بخواص من الكرامة الكاملة ، وأعطاه العطية الفاضلة ، وجعله حجة شاملة ، ونعمة على الخلائق دائمة ، فنسأل الله إيزاع شكره ، وبلوغ ما نؤمل من طاعته ، فإن ذلك أفضل ما أعطى الخلق من العطاء ، وأعظم ما بلغه بالغ من الرجاء.
ونسأل الله أن يصلي على محمد عبده ورسوله المصطفى ، وأمينه المرتضى ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه ، وصفوته من بريته ، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار ، الصادقين الأبرار ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ثم نقول ، من بعد الحمد لله والثناء عليه ، والصلاة على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
أمّا بعد ، فإنا نظرنا في أمور هذه الأمة وأسبابها ، وقلبنا ما قلبنا من حالها وأخبارها ، وافتراق أقاويلها ، وفساد تأويلها ، وقلة ائتلافها ، فوجدنا أمورها تدل على أنها ضيعت ما به أمرت ، حتى صعب قيادها ، وكثر حيادها (٤٥٢) ، وقل فهمها ، وكثر تخليطها ، وصار لكلها قول مقول ، وعمل فادح معمول ، ينفر منه القلب الجهول ، فضلا عن أهل المعرفة والعقول. كان من أنكر قولها وأعظم جهلها ما قالت به في الله سبحانه ، فرمت به لجهلها رسوله ، فزعمت لعظيم غفلتها وعامر رقدتها أن دينها الذي به تعبدها ربها كتاب ناطق مضى ، وسنة جاء بها من نفسه النبي ، شرعها من ذاته ، وتخيرها للعباد بنظره ، لم يأمر بها الرحمن ، ولم تنزل عليه في آي القرآن ، فزعمت بذلك من قولها ، فلزمها في أصل مذهبها وحاق بها في جميع قولها أنها زعمت فيما ذكرت وقالت : إن الله وكل نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدين إلى نفسه ، ولم يشرع له كلما يحتاج إليه من فرضه ، كأن لم يسمعوا الله سبحانه يقول فيما نزل على نبيه من القول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ
__________________
(٤٥٢) الحياد : الميل من قوله تعالى : (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ، ا ه من هامش (أ).