لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول : يصدقون بما يرون وينصفون العقل ، فيقبلون منه ما عليه يدلهم حين يبصرون ويستبصرون في الحق ، ويستدلون على الله بما ذرأ من الخلق فيكونون بذلك مؤمنين ، ولله بالخلق والقدرة مقرين ؛ ثم قال : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، فأخبر أنه قد ذرأ وجعل لهم من الدلالة عليه في خلق أنفسهم ما بأقل قليله على خالقهم يستدلون ، وبأنه الله الذي لا إله إلا هو يوقنون. ثم كرر الدلالة لهم والاحتجاج عليهم بذكر ما أنزل من السماء من رزق فأحيا لهم به الزروع ، وفرع به في الأصول الفروع ، ثم كرر الاحتجاج والتوقيف لهم والتعريف فذكر تصريف الرياح ، وما يكون فيها وبها من الألقاح ، فقال : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، فتتابعت الآيات متناسقات بما فيهن من العبر والدلالات حتى وصل (٢٨٥) إلى قوم (يَعْقِلُونَ) ، فأخبر بذلك أن كل ما ذكر لا يعلم ولا يخبر ولا يفهم إلا بما ركب وجعل لهم فيه من حجة العقل ، فقال سبحانه احتجاجا عليهم ، وتنبيها في ذلك كله لهم بما خلق لهم من الأبصار التي لا ينتفع بها في التذكرة إلا بالألباب ، وحثا على استعمال الألباب في كل الأسباب : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [ق : ٦ ـ ٨] ، يقول : توقيفا لهم ، وتعريفا واحتجاجا على ذوي العقول ، وقال : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢] ، فحض بالأمر بالاعتبار ذوي الأبصار.
وقال سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] ، فنظر قوم وفكروا ، وعقولهم في ذلك أنصفوا ، فأبصروا واهتدوا وعرفوا الحق فرشدوا ، وأنكر قوم وخالفوا ما تفرع لهم من المعقول فجحدوا ، فعاقبهم الله على ذلك من فعلهم ، وأضلوا أنفسهم بمكابرة عقولهم ، وأبطلوا النظر واتبعوا الجبر ، فاتبعوا الهوى ، وتركوا الهدى ، وتعلقوا بالأخبار المنقولة الكاذبة ، ورفضوا ما فيهم من حجة الله الصادقة ، فبذلك عندوا ، وأنفسهم بالتجبر منهم أهلكوا ، فليس للعباد على الخالق من حجة يحتجون بها ، ولا متعلق
__________________
(٢٨٥) في (ب) : وصلنا.