واحتججنا والحمد لله الواحد الأعلى.
وكذلك كان فعله سبحانه في إنطاقهم ، خلق لهم الألسنة واللهوات ، وما يكون به الكلام من الآلات ، ثم أمرهم أن يذكروه ويسبحوه ، فقال سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة : ١٩٨] ، وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢] ، ونهاهم عن أن يقولوا عليه غير الحق ، فقال : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [النساء : ١٧١] ، فجعل لهم سبب القول فيه ، ونسبه إليهم ، ولم ينسبه إليه ، وجعله (٢٤٨) ـ جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله ـ عن افترائهم عليه ، ولو كان الكلام من فعله ، وكان الناطق به على ألسنتهم ، لكان هو القائل في نفسه ما أنكره عليهم ، من ذلك قول فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] ، وقول الكافرين لكتاب رب العالمين : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [المؤمنون : ٨٣] ، و (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف : ١١] ، ومن ذلك ما قالوا للأنبياء المطهرين صلوات الله وبركاته عليهم أجمعين ، وما رموهم به من السحر والجنون ، قال الله تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٢]. أفترى الجاهل المفتري ، الظالم لنفسه الغوي ، يقول : إن الله سبحانه كذب أنبياءه ورماهم بما قال الكافرون من السحر والجنون فيهم ، وحمل الكافرين على أن يسيئوا بهم الظنون ، وينسبوا إليهم الكذب والسحر والجنون؟! بل كيف ينطقهم بالتكذيب لهم والافتراء عليهم ، وهو يأمرهم بالطاعة لهم ، ويعطيهم الجنان على الإيمان بهم؟ فقال سبحانه : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : ٢١] ، وقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [الحديد : ١٩] ؛ كذب القائلون على الله بذلك ، ووقعوا عنده في المهالك ، فسبحان الرءوف الرحيم ،
__________________
(٢٤٨) هكذا في الأصل.