أن جميع الأشياء من الله ، وله رضا وقضاء وأمر ومشيئة. وإن كان صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن شيء مما ذكرنا من العملين وميز بين المنزلتين ، وسمى أحدهما طاعة ووعد من عمل بها الجنة ؛ وسمى المنزلة الأخرى معصية ، وتوعد من عمل بها النار ، فقد كذب من زعم أن كل شيء مراد الله وقضاء. فإن أحبوا فيكذبوا أنفسهم للزوم الحجة لهم ، وإن أحبوا أن يقولوا إن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عاص متعد عليه ، ناه عن قضائه وأمره ، وأن الله تبارك وتعالى لم يأمرهم بتحريم شيء مما حرم ، وأن جميع ما حرم أحل منه بالتكليف منه لا من الله ، نقض من قال بهذا كتاب الله عزوجل ، إذ يقول له صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) [الأعراف : ٢٠٣] ، وهذه الصفة والقول لا يجوزان في محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا له.
ومن الحجة عليهم أن يقال لهم : أخبرونا عن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أكان عندكم رءوفا رحيما حريصا على العباد شفيقا مريدا لهم أن يطيعوا الله ولا يعصوه؟ وعن قول الله سبحانه فيه : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة : ١٢٨] ، أكان كذلك أم كان عندكم على غير هذه الصفة من قلة الرأفة والرحمة والحرص؟ فلن يجدوا بدا من أن يقولوا : كان صلىاللهعليهوآلهوسلم رءوفا رحيما ، كما وصفه الله ، فحينئذ يقال لهم : فأين الرأفة والرحمة ممن يأمر العباد بترك طاعة الله ، والخروج عن مشيئته ومراده ، والرد لقضائه وأمره ، وكيف يكون عندكم حال من نهى عما ذكرنا وحال من أطاعه في ترك ما ذكرنا مما هو لله مشيئة ومراد؟ وأين الرأفة والرحمة ممن يأمر العباد بما لهم فيه الهلاك والغضب عند الله؟ هذا قول ينقض القرآن ويفسده ، وهو حجة الله العظمى على عباده ، وفيه تحريم ما حرم وتحليل ما أحل ، فإذا كان المؤدي له في قولكم وعلى مذهبكم ينهى عن طاعة الله ومشيئته فكيف السبيل عندكم أن يوثق به فيما أدى إلينا من تحليل وتحريم إذ كان ينهى عن قضائه ومراده ، فقد احتمل إن كان يفعل ذلك بلسانه أن يفعله ومثله في الكتاب الذي أداه فيحلل الحرام ويحرم الحلال.
تعالى الله عما أسند إليه أهل هذه المقالة الحمقاء من التلعب بعباده والعبث بخلقه ، وجل شأن محمد عليهالسلام أن يكون فيه شيء من هذه الصفة ، أو يكون على شيء مما يكره