وَالْأُولى) [النازعات : ١٧ ـ ٢٥] ، أفترى الله تبارك وتعالى الذي أضل فرعون وأدبره عن الطاعة ، ومنعه أن يتزكى ، وأمره بالتكذيب والعصيان ، وأن يدعي أنه الله الأعلى ، وقد فطره الله على ذلك وحمله عليه ، ثم أرسل إليه موسى صلوات الله عليه ، يدعوه إلى أن يهتدي ويتزكى ، وقد منعه منهما ، وفطره على غيرهما ، وحال بينه وبين العمل بهما ، ثم يرسل إليه من أرسل ، وأنزل به العذاب عند ما كان من سعيه في طاعة الله وأمره؟ هذا أكبر الظلم وأقبح الصفة في المخلوقين ، تعالى الله عما أسند إليه الجاهلون من هذه المقالة الفاسدة الضالة. ألا ترى إلى قول الله سبحانه : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩] ، ينسب الضلالة إلى فرعون والإضلال ، ويبرئ منها نفسه.
وانظر أيضا إلى قوله عزوجل : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) [البقرة : ١٧٥] ، يقول سبحانه : استحبوا الضلالة على الهدى ، والعذاب على المغفرة ، ممثلا في ذلك بالبيع والشراء ؛ لأنه في كلام العرب هذا المثل.
وانظر أيضا إلى قوله في ابن آدم : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٣٠] ، ولم يقل سبحانه : قدرته ولا قضيته عليه ، ولا أمرته ولا رضيته منه ، بل برّأ نفسه من فعله ، وألزم المعصية أهلها وفاعلها ، ألا ترى إلى قوله : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أخبر أن ذلك الفعل من نفسه لا من غيرها.
وانظر إلى قوله تبارك وتعالى ، يحكي عن نوح صلى الله عليه : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥] ، أفتراه قضى هذا القول على نوح ، ثم عابه عليه وعنفه فيه ، فقال : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ٤٦]. وانظر إلى تنزيه نوح عليهالسلام لخالقه من ذلك ، وإلزامه الذنب نفسه ، فقال عليهالسلام : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) [هود : ٤٧] ، فأخبره أن هذه المسألة منه ، فاستغفر منها (ولم يقل إنه قضاؤك وقدرك عليّ ، ولو كان قضاء الله عليه ما استغفر منها) (١٧٩) ، كيف يستغفر الله من فعله؟ إنما يتوب العباد إلى الله ويستغفرونه من أفعالهم لا
__________________
(١٧٩) ساقط من (ب).