(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران : ٧٨] ، أتقولون إن ليّهم بالكتاب ، وتمويههم على المؤمنين بذلك وفيه من أنفسهم؟ فإن قالوا : من الله قضاء قضى به عليهم. قيل لهم : فإنا نجد الله يقول خلاف قولكم ، ويبطل ما لفظتم به ؛ لأنه يقول : (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران : ٧٨] ، فذكر أنهم يكذبون عليه فيما قالوا إنه منزل هذا الباطل وجاعله ، فشهد عليهم سبحانه بالكذب عليه في ذلك ، وأنتم تشهدون لهم بالصدق في قولهم ؛ لأنكم تزعمون أن كل فعل منهم فمن الله لا منهم ، وبقضائه لا بفعلهم ، وفي ذلك والقول به ما به الكفر بالله والشرك. وإن قالوا : هو كما قال الله من عندهم ، وهو كذب منهم ، والله منه بريء ؛ رجعوا إلى الحق ، وقالوا في الله بالعدل.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [الأحزاب : ٦٩] ، أفتقولون إن موسى عليهالسلام كان بريئا مما قالوا به فيه ، وكذبوا عليه سبحانه بأنه شهد لموسى بالبراءة ، وقالوا هم ليس ببريء ، ومن شهد بالبراءة لغير برئ فهو فاسق غوي ، والله عن شهادة الزور فمتعال علي. فإن قالوا : إن موسى عليهالسلام بريء من ذلك ، وإن الله صادق فيما شهد له به ؛ آمنوا ورجعوا إلى الحق ، وقالوا في الله بالصدق والعدل. وإن قالوا بل الله الذي قضى عليهم بأذية موسى عليهالسلام ؛ فقد زعموا أن الله المتولي أذية نبيه صلى الله عليه ، وقضى عليهم بالقذف له ، وفي هذا إبطال ما قال الله وشهد به عليهم ، وبرأ نفسه ونبيه من هذا الفعل العظيم.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه فيما يحكي عن نبيه نوح صلى الله عليه إذ يقول : (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس : ٤١] ، أفتقولون : إن نبي الله صادق في قوله : (أعمل) ، و (تعملون) فتوجبون له العمل. أم تقولون إنه ليس له في ذلك اختيار ولا عمل ولا لهم ، وإن ذلك كله من الله دونهم ، فإن قالوا : بل نقول عمله وعملهم ، وإنه صادق في ذلك ؛ فقد برءوا الله من أفعال العباد ، ورجعوا إلى الحق. وإن قالوا : بل هو فعل الله لا فعله ولا فعلهم ؛ فقد كفروا وكذبوا قول رسول الله