وأكذبهم فيما قالوا به عليه من ذلك وفيه حين يقول : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) [المائدة : ١٠٣] ، والقدرية تقول : هو جعل (١٦٤) الله وقضاؤه ، ولو لا أن الله قضى به ما فعلته قريش ولا أطاقته. أقول : الله أصدق عند من عرف الله ، أم قول قريش القدرية؟ بل قول الله أصدق وقول من سواه باطل.
ومما يسألون عنه مما لا يستطيعون رده من كتاب الله قول الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١٥٥] ، فيقال لمن زعم أنه لا يقدر عبد على فعل إلا بعد قضاء الله به عليه ، وإدخاله إياه فيه بالقضاء اللازم ، أما يجد الله سبحانه يخبر أن توليهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من استزلال الشيطان ، وأنه منهم ومنه ، وأنتم تزعمون أنه من الله ، وأنه قضى به عليهم وبالتولي ، ما تقولون أقول الله أصدق أم قولكم؟ فإن زعموا أن قول الله أصدق ؛ رجعوا عن قولهم وصاروا إلى العدل. وإن قالوا : إن قولهم أصدق ؛ فقد كفروا بالله ، وكذبوا على الله ؛ لأن ربنا قد ذكر أن ذلك من عدو الله الشيطان ، والقدرية تزعم أنه من الرحمن ، وأن الشيطان منه بريء.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : أخبرونا عن قول الله سبحانه : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة : ١٠٩] ، أفتقولون إن هذا الحسد من عند الله قضى به على الكفار أن يحسدوا المؤمنين على الإسلام ، أم حسدا من عند أنفسهم يعاقبون عليه؟ فإن قالوا : هو من عند الله قضى به عليهم ؛ برءوا الكفار من المذموم ، وجعلوه لله دونهم ، وقد قال الله خلاف ذلك ، فقد كذبوا الله في قوله وكفروا به. وإن قالوا : هو من عند أنفسهم ومنهم لا من الله كما قال الله ؛ خرجوا من الباطل إلى الحق ، ورجعوا إلى العدل.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) [محمد : ٢٥] ، أفتقولون إن
__________________
(١٦٤) في (ب) : هو فعل الله.