وقال فيمن دعي إلى الحق فأبى ، وأمر بالطاعة فعصى ، وآثر على الحق الهوى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص : ٥٠] ، وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية : ٢٣] ، وقال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣.] ، فإن كنت تريد هذا القول ، فإنّا به ، ولله الحمد ، نقول ، ونشهد بالمنة فيه للعلي ذي الطول.
وإن كنت تريد بقولك ، وما تتكلم به من كلامك : أن لله قدرة سواه بها يقدر على ما يريد ويشاء ، تعالى الله عن ذلك العلي الأعلى ، فهذا ما لا نقوله ولا نذهب إليه ، ولا نجيزه ؛ لأنه من المقال قول فاسد محال ؛ لأن القدرة لو كانت كذلك ، تعالى الله عن ذلك ، لم تخل من أن تكون قديمة أولية ؛ فتكون ثابتة (١٢٣) مع الله أزلية ، وهذا فإبطال التوحيد ، وعين المضادة لله الواحد الحميد ، وإبطال القرآن ، وتكذيب الرحمن ؛ لأنه سبحانه يقول : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٣] ، ويقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] ، فقال سبحانه : هو الأول ، فذكر أنه الأول قبل كل شيء ، ولا يكون الأول إلا فردا لا ثاني معه ، كما لا يكون الآخر إلا الذي لا شيء بعده ، وكذلك الواحد فهو الذي لا ثاني معه ، وذلك الله الجليل الرحمن ، المتعالي عمّا يقول حزب الشيطان ، فهذا من قولهم فمعنى فاسد باطل ، وعن الحق والحمد لله حائل.
أو تكون محدثة مكونة تعلم ويكون الله أوجدها من بعد العدم ، فيدخل بذلك العجز على الله والتضعيف ، فتعالى عن ذلك القوي اللطيف ، لأن ضد القدرة العجز ، فمتى عدمت القدرة ثبت العجز ، فيلزم من قال بإحداث قدرة المهيمن القادر أن يقول إن الله كان عاجزا غير قادر ، فإن كان كما يقول الجاهلون ، وينسب إليه الضالون : إنه كان ولا يقدر ، حتى أوجد وخلق ما به قدر ، فبما ذا ويلهم خلق القدرة التي يذكرون أنه خلقها من
__________________
(١٢٣) في (ب) و (ج) : ثانية.