شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٩] فذكر سبحانه وتعالى عما يصف المبطلون ، ويقول به عليه الملحدون ، أنه شيء موجود ، لا يذكر ولا يوصف بحد من الحدود ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. ألا ترى أن جميع أهل الإسلام ، الذين هم على دين محمد عليهالسلام ، يقولون لمن اتهموه بسخافة دين ، أو قلة خشية أو يقين : ما تعبد من شيء ، ولا توقن بشيء ؛ يريدون : ما تعبد الذي يعلم أمرك ، ويوفيك أجرك.
ذكر الأعراض
فإن قال قائل : فما دليلكم على أن من الأشياء المشاهدة المعلومة ، بدلائلها المفهومة ، ما ليس هو بجسم معروف ، أوجدونا ذلك في أي صنف شئتم من الصنوف؟
قلنا له : من ذلك أفعال العباد ، وما يكون منهم من سوء ورشاد ، من الصدقة والقيام ، والصلاة والصيام ، وغير ذلك من حركات السحاب في السير ، وما يسمع من خفقان أجنحة الطير ، وما يكثر ، لو شرحناه ، به الأقاويل ، ويطول به الكلام والتأويل ، وكل ذلك من أفعال الخلق ، فقد سماه الله بأحق الحق شيئا وأشياء في قوله تبارك وتعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٢] فسمى أفعالهم شيئا وأشياء ، وبين ذلك فيما نزل من النور والضياء ، وهي أعراض ليست بأجسام ، إذ لا تقوم إلا بالأجسام ، وإنما هي صفات ودلالات ، وحركات وعلامات ، تتفرع من الأجسام غير متلاحقات ، فهي أشياء وليست بأجسام ، والأجسام أبدا فليست غير الأجسام (١٢٠).
فإن قال : فما دليلكم على أن ما يكون من حركاتكم التي هي متفرعة من أجسامكم هي غير أجسامكم ، وأن أجسامكم هي غير حركاتكم؟
قلنا له : علمنا ذلك وفهمناه ، ووقفنا عليه وعرفناه ، لأنا نجد الأجسام تكون منها
__________________
(١٢٠) في (ب) : غير أجسام.