إذا أراده فقد كونه ، وإذا كونه فقد أراده ، لا تسبق له حالة حالة في الفعل منه سبحانه والإرادة ، فسبحان علام الغيوب ، ومقلّب القلوب ، ونسأل الله الواحد الحميد أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يمن علينا بإيزاع الشكر فيما امتن به علينا.
ومما يحتج به على أهل هذا المقال ، المتحيرين في الله الضّلال ، أن يقال لهم : خبرونا عن إرادة الله سبحانه لخلق السماوات والأرض؟ هل هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما في يوم الدين؟ فإن قالوا نعم قيل لهم : فهلا وقعت بهما الإبادة والتبديل مع وجود خلقهما سواء سواء؟ فقد يلزمكم في أصل قولكم وقياسكم أن تقولوا إن الأرض والسماء قد بادتا وبدلتا ساعة ما خلقتا وأوجدتا ؛ إذ الله سبحانه قادر على ما يشاء ، وإذ مراده نافذ ماض أبدا ؛ لأنكم تزعمون أن إرادة الله سبحانه لخلقهما وإيجادهما هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما ، ومتى كانت الإرادة في ذلك واحدة سواء (٨٥) ؛ فلا شك أن المراد يقع مجتمعا معا ، لا يسبق بعضه بعضا ؛ إذ لم يتقدم من الإرادة شيء شيئا ، وإن (٨٦) قالوا ليست الإرادة من الله لخلقهما بإرادته لتبديلهما وإبادتهما ؛ لأن إرادته نافذة ؛ وقدرته ماضية ، وقد أراد أن يخلقهما فخلقهما ، وإذا أراد أن يبدلهما بدلهما ، فقد أقروا أن لله إرادة تحدث في كل الحالات ، ومتى كانت كذلك لم يكن (٨٧) أبدا أزليه ، وزال عنها اسم القدم والأولية ، وإذا ثبت أنها حادثة ، ثبت أنها محدثة ، وإذا ثبت أنها محدثة ، ثبت أنها مجعولة مقدرة ، وإذا ثبت أنها مجعولة مقدرة ، ثبت أن المجعول المقدر هو المخلوق المدبر ، وأن الإرادة ليست غير الموجود المفطور المصور ، وإذا قد ثبت ذلك فقد ذهب ما يقولون به من الفرق بين إرادة الله وفعله ، وثبت أن فعله إرادته ، وأن إرادته سبحانه فعله ، إذا أوجد شيئا فقد أراده ، وإذا أراده فقد أوجده ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين.
__________________
(٨٥) في (ب) : سقط لفظ (سوء).
(٨٦) في (ب) : فإن.
(٨٧) في (ب) : تكن.