وعن الشبهة الثانية :
بمنع الحصر فيما ذكروه من الأقسام : ولا سبيل إلى الدّلالة على مواقع المنع بغير البحث والسبر ؛ وقد عرف ما فيه. كيف : وأنه متحرم إذا أمكن أن يقال مستند تسميته ظالما : أنه فعل ما هو محرم عليه منهى عنه ، أو فعل ما ليس له فعله ، أو لكونه مكتسبا للظلم ، وعلى كل تقدير ؛ فيمتنع تسمية الرب ـ تعالى ـ ظالما ؛ لكونه فاعلا للظلم.
فإن قيل : يمتنع تسمية من فعل الظلم ظالما ؛ لكونه فعل محرما منهيا عنه ؛ لأن من فسق ، وارتكب معصية تخصه ، ولا تتعدى إلى غيره ؛ فإنه فعل محرما .. ولا يسمى ظالما ؛ ضرورة أنّ الظلم ما يتعدى إلى الغير.
وأيضا : فإنه سمى ظالما ؛ لكونه فعل فعلا محرما منهيا عنه ؛ فيلزم أن يكون العادل : من فعل واجبا مأمورا به ؛ ويلزم من تسمية الرب ـ تعالى ـ عادلا ؛ أن يكون قد فعل ما وجب عليه ، وأمر به ؛ وهو مقدس عن ذلك.
وأيضا : فإن أرباب اللسان : وإن لم يكونوا معتقدين للشرائع يسمون مرتكب الفواحش قبل ورود الشرع / ظالما ، وإن كان ما ارتكب محرما ، ولا منهيا عنه ؛ ضرورة عدم ورود الشرع بذلك ، وعدم اعتقادهم لذلك.
وعلى هذا : فيمتنع أن يسمى ظالما ؛ لكونه فعل ما ليس له ؛ إذ لا معنى لكونه فعل ما ليس له إلا أنه فعل ما نهى عنه ، ويمتنع تسميته ظالما ؛ لكونه مكتسبا للظلم ؛ فإن مستند الاسم اللغوى لا بد وأن يكون معلوما لأهل اللغة والكسب ، فلم يكن معلوما لهم.
قلنا : لا نسلم أن من ارتكب معصية خاصة به : أنه لا يسمى ظالما.
قولهم : الظلم ما يتعدى إلى الغير ، ممنوع ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (١). وقوله (لكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (٢).
__________________
(١) سورة فاطر جزء من الآية رقم ٣٢.
(٢) سورة هود جزء من الآية رقم ١٠١.