وقوله ـ تعالى ـ : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (١) ؛ فهو مرتب على قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (٢) ؛ فيكون عائدا إليه ، ومسكوتا عما سواه. وبتقدير عوده إلى خلق الله ـ تعالى ـ مطلقا. فمعناه لا تفاوت فى خلق الله ـ تعالى ـ من حيث هو خلق وإيجاد ؛ وذلك لا يدل على وجود خلق لغير الله إلا أن يكون من حيث هو خلق متفاوت ؛ وهو غير مسلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٣). معناه علم كل خلق. ومنه يقال : فلان يحسن الصناعة الفلانية : أى يعلمها. وليس المراد به خلق الحسن ، ولهذا : فإنه لا يقال لمن أوجد شيئا حسنا أنه أحسنه.
ثم وإن سلمنا أن المراد به أن خلقه حسن ؛ فليس فيه ما يدل على أن غيره خالق. إلا أن يكون ثم ما هو خلق قبيح. من حيث هو خلق ؛ وهو غير مسلم ، على ما حققناه فى مسألة التحسين والتقبيح (٤).
وقوله ـ تعالى ـ : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٥) أى باكتسابك ، والمكتسب ليس بخلق على ما يأتى. ثم هو معارض بالقراءة الأخرى ، وهو قوله ـ تعالى ـ (فَمِنْ نَفْسِكَ) بفتح الميم ؛ إذ هو رد على وهم من توهم أن السيئة من النفس.
وقوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) : أى تكسبون ؛ فإن العمل قد يضاف إلى العبد بمعنى الاكتساب ، أو بسبب ملازمته للاكتساب كما ذكرناه ؛ وليس فى ذلك ما يدل على كون العمل مخلوقا للعبد ، وبه تأويل كل ما يرد من هذا القبيل.
وأما المعارضة : فبآيات منها :
قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ). دل على أن أعمال العبيد المختارين مخلوقة لله ـ تعالى ـ
__________________
(١) سورة الملك ٦٧ / ٣.
(٢) سورة الملك ٦٧ / ٣.
(٣) سورة السجدة ٣٢ / ٧.
(٤) انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٥) سورة النساء ٤ / ٧٩.