وعند ذلك : فتكون الآية حجة عليهم لا لهم.
قولهم : إنه أثبت التفاضل بينه ، وبين غيره في الخلق ؛ وذلك يستدعى الاشتراك فى معنى أصل الخلق. عنه جوابان :
الأول : المنع ، ولهذا فإنه يصح أن يقال : الرب ـ تعالى ـ خير من الأصنام المعبودة ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) مع أنه لا خير فيما أشركوا به. ويقال : النبي خير من المشرك ، وإن كان لا خير فى المشرك.
ومنه قول حسان بن ثابت فى حق من هجا النبي عليهالسلام :
أتهجوه ولست له بكفئ |
|
فشرّكما لخيركما الفداء |
مع أنه لا خير فيمن يهجو النبي عليه الصلاة والسلام. والإطلاق العرفى شائع ذائع بقولهم : الصائد أحق بالصيد من غيره ، ورب المال أحق به من غيره ، مع أنه لا مشاركة بين الصائد وغيره ، ولا بين رب المال وغيره ، فى أصل الحق.
الثانى : هو أن العرب قد تصف أحد الشيئين بصفة الآخر عند اقترانهما بالذكر كما فى قولهم : الأسودان ، للماء ، والتمر ، وقد تسميه باسمه : كالعمرين لأبى بكر ، وعمر. وكالقمرين : للشمس ، والقمر ، فلما ذكر غير الله ـ تعالى ـ معه ؛ وصفه بصفته ، وإن لم يكن متصفا بها.
وهذا الاحتمال ، وإن لم يكن مقطوعا به ؛ فهو قائم ، ويجب الحمل عليه ؛ لما ذكرناه من الدليل العقلى.
وأما قوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (٢) ، فيحتمل أن يكون قد أضاف إحداث الذكر إليه ؛ لأنه مكتسب له ، أو ملازم لفعله المكتسب له. وإن لم يكن خالقا له ، ولا موجدا ، وذلك كما يقال : فلان أحيى فلانا. إذا استنقذه من الهلكة ، وإن لم يكن موجدا لحياته ، ويقال : فلان / أمات فلانا ، وأزهق نفسه ، وإن لم يكن هو الموجب لإماتته ، وإزهاق نفسه. والإطلاق بذلك شائع غير منكر.
__________________
(١) سورة النمل ٢٧ / ٥٩.
(٢) سورة الكهف ١٨ / ٧٠.