قال : قلت : إنّ عيسى ابن مريم ـ عليه السّلام ـ كان يحيي الموتى بإذن الله.
قال : صدقت.
وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطّير ، وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقدر على هذه المنازل؟
قال : فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره : (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) حين فقده وغضب عليه ، فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ). وإنّما غضب ، لأنّه كان يدلّه على الماء. فهذا وهو طائر قد اعطي ما لم يعط سليمان ، وقد كانت الرّيح والنّمل والإنس والجنّ والشّياطين [و] (١) المردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطّير يعرفه ، وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) (الآية) وقد ورثنا نحن هذا القرآن [الذي] (٢) فيه ما تسيّر به الجبال ، وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله ، ممّا كتبه الماضون (٣) جعله الله لنا في أم الكتاب. إنّ الله يقول : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) فنحن الّذين اصطفانا الله ـ عزّ وجلّ ـ وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شيء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : لو كان شيء من القرآن كذلك ، لكان هذا.
(بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) : بل لله القدرة على كلّ شيء.
وهو إضراب عمّا تضمّنته «لو» من معنى النّفي (٥) ، أي : بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات ، لكنّ الإرادة لم تتعلّق بذلك لعلمه بأنّه لا تلين له شكيمتهم.
__________________
(١) يوجد في المصدر مع المعقوفتين.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : المأمنون.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٥.
(٥) قوله : «وهو إضراب عمّا تضمّنته لو من معنى النّفي» إذ يفهم منها أنّه لم يوجد قرآن كذلك فكأنّه قيل : لم يوجد قرآن سيّرت به الجبال ... الخ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) بمعنى الإضراب عن المقدّر المذكور ، لكن لا يخفى أنّ الملائم للإضراب أن يكون الجواب المقدّر : لما آمنوا ، حتّى يكون المعنى : ولو وجد قرآن بالوصف المذكور لما آمنوا ، أي : ليس القرآن المذكور موجبا لإيمانهم (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) فإيمانهم منوط بإرادته.