(وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨) :
إشارة إلى معرفة المعاد. وهو أيضا يفيد الحصر بتقديم الصّلة على «أنيب».
وفي هذه الكلمات طلب التّوفيق لإصابة الحقّ فيما يأتي ويذره من الله ، والاستعانة في مجامع أمره ، والإقبال عليه بشراشره ، وحسم أطماع الكفّار ، وإظهار الفراغ عنهم ، وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم ، بالرّجوع إلى الله للجزاء.
وفي كتاب التّوحيد (١) بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : فقلت : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وقوله (٢) ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ). فقال : إذا فعل العبد ما أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ به من الطّاعة ، كان فعله وفقا لأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وسمّي العبد به موفّقا. وإذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصي الله ، فحال الله ـ تبارك وتعالى ـ بينه وبين تلك المعصية ، فتركها ، كان تركه لها بتوفيق الله ـ تعالى ذكره ـ. ومتى خلّى بينه وبين المعصية ، فلم يخلّ بينه وبينها (٣) حتّى يرتكبها ، فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه.
(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) : لا يكسبنّكم (شِقاقِي) : خلافي ومعاداتي.
(أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) : من الغرق ، (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الرّيح (٤) ، (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الرّجفة.
و «أن» بصلتها ثاني مفعولي «جرم» فإنّه يعدّى إلى واحد وإلى اثنين ، ككسب.
وعن ابن كثير (٥) : «يجرمنّكم» بالضّمّ. وهو منقول من المتعدّي إلى مفعول واحد.
والأوّل أفصح. فإنّ «أجرم» أقلّ دورانا على ألسنة الفصحاء.
وقرئ (٦) : «مثل» ـ بالفتح ـ لإضافته إلى المبنيّ ، كقوله :
__________________
(١) التوحيد / ٢٤٢ ، ذيل ح ١.
(٢) آل عمران / ١٦٠.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يخلّ بينها بينه وبينها.
(٤) أ ، ب : الهلاك.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٩.
(٦) نفس المصدر والموضع.