وتعريف (رَبَ) بالإضافة إلى (هذَا الْبَيْتِ) دون أن يقال : فليعبدوا الله لما يومئ إليه لفظ (رَبَ) من استحقاقه الإفراد بالعبادة دون شريك.
وأوثر إضافة (رَبَ) إلى (هذَا الْبَيْتِ) دون أن يقال : ربهم للإيماء إلى أن البيت هو أصل نعمة الإيلاف بأن أمر إبراهيم ببناء البيت الحرام فكان سببا لرفعة شأنهم بين العرب قال تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) [المائدة : ٩٧] وذلك إدماج للتنويه بشأن البيت الحرام وفضله.
والبيت معهود عند المخاطبين.
والإشارة إليه لأنه بذلك العهد كان كالحاضر في مقام الكلام على أن البيت بهذا التعريف باللام صار علما بالغلبة على الكعبة ، و «رب البيت» هو الله والعرب يعترفون بذلك.
وأجري وصف الرب بطريقة الموصول (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) لما يؤذن به من التعليل للأمر بعبادة رب البيت الحرام بعلة أخرى زيادة على نعمة تيسير التجارة لهم ، وذلك مما جعلهم أهل ثراء ، وهما نعمة إطعامهم وأمنهم. وهذا إشارة إلى ما يسّر لهم من ورود سفن الحبشة في البحر إلى جدة تحمل الطعام ليبيعوه هناك. فكانت قريش يخرجون إلى جدة بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين. وكان أهل تبالة وجرش من بلاد اليمن المخصبة يحملون الطعام على الإبل إلى مكة فيباع الطعام في مكة فكانوا في سعة من العيش بوفر الطعام في بلادهم ، وكذلك يسر لهم إقامة الأسواق حول مكة في أشهر الحج وهي سوق مجنّة ، وسوق ذي المجاز ، وسوق عكاظ ، فتأتيهم فيها الأرزاق ويتسع العيش ، وإشارة إلى ما ألقي في نفوس العرب من حرمة مكة وأهلها فلا يريدهم أحد بتخويف. وتلك دعوة إبراهيم عليهالسلام إذ قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : ١٣٦] فلم يتخلف ذلك عنهم إلا حين دعا عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم بدعوته : «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف» ، فأصابتهم مجاعة وقحط سبع سنين وذلك أوّل الهجرة.
و (مِنْ) الداخلة على (جُوعٍ) وعلى (خَوْفٍ) معناها البدلية ، أي أطعمهم بدلا من الجوع وآمنهم بدلا من الخوف. ومعنى البدلية هو أن حالة بلادهم تقتضي أن يكون أهلها في جوع فإطعامهم بدل من الجوع الذي تقتضيه البلاد ، وأن حالتهم في قلة العدد وكونهم أهل حضر وليسوا أهل بأس ولا فروسية ولا شكّة سلاح تقتضي أن يكونوا معرضين