٤٨] ، أي من قبل نزول القرآن ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل حين قال له اقرأ : «ما أنا بقارئ».
وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن.
وقوله تعالى : (اقْرَأْ) أمر بالقراءة ، والقراءة نطق بكلام معيّن مكتوب أو محفوظ على ظهر قلب.
وتقدم في قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) في سورة النحل [٩٨].
والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال ، فالمطلوب بقوله : (اقْرَأْ) أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال ، أي أن يقول ما سيملى عليه ، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته ، ولا سلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها ، فهو كما يقول المعلم للتلميذ : اكتب ، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه.
وفي حديث «الصحيحين» عن عائشة رضياللهعنها قولها فيه : «حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ. قال : فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إلى (ما لَمْ يَعْلَمْ)
فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقولها قال : «فقلت : ما أنا بقارئ». وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة وقد قالت فيه : «فرجع بها رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يرجف فؤاده» أي فرجع بالآيات التي أمليت عليه ، أي رجع متلبسا بها ، أي بوعيها.
وهو يدل على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلقى ما أوحي إليه. وقرأه حينئذ ويزيد ذلك إيضاحا قولها في الحديث : «فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك» ، أي اسمع القول الذي أوحي إليه وهذا ينبئ بأن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عند ما قيل له بعد الغطة الثالثة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذ كما أمره الله ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها وعلى هذا الوجه يكون قول الملك له في