ويجوز أن يكون مرصاد مصدرا على وزن المفعال ، أي رصدا. والإخبار به عن جهنم للمبالغة حتى كأنها أصل الرصد ، أي لا تفلت أحدا ممن حق عليهم دخولها.
ويجوز أن يكون مرصاد زنة مبالغة للراصد الشديد الرصد مثل صفة مغيار ومعطار ، وصفت به جهنم على طريقة الاستعارة ولم تلحقه (ها) التأنيث لأن جهنم شبهت بالواحد من الرصد بتحريك الصاد ، وهو الواحد من الحرس الذي يقف بالمرصد إذ لا يكون الحارس إلا رجلا.
ومتعلق : (مِرْصاداً) محذوف دل عليه قوله : (لِلطَّاغِينَ مَآباً)
والتقدير : مرصادا للطاغين ، وهذا أحسن لأن قرائن السورة قصار فيحسن الوقف عند (مِرْصاداً) لتكون قرينة.
ولك أن تجعل (لِلطَّاغِينَ) متعلقا ب (مِرْصاداً) وتجعل متعلق (مَآباً) مقدرا دل عليه (لِلطَّاغِينَ) فيكون كالتضمين في الشعر إذ كانت بقية لما في القرينة الأولى في القرينة الموالية فتكون القرينة طويلة.
ولو شئت أن تجعل (لِلطَّاغِينَ) متنازعا فيه بين (مِرْصاداً) أو (مَآباً) فلا مانع من ذلك معنى.
وأقحم (كانَتْ) دون أن يقال : إن جهنم مرصاد للدلالة على أن جعلها مرصادا أمر مقدر لها كما تقدم في قوله : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) [النبأ : ١٧]. وفيه إيماء إلى سعة علم الله تعالى حيث أعدّ في أزله عقابا للطّاغين.
و (مَآباً) : مكان الأوب وهو الرجوع ، أطلق على المقر والمسكن إطلاقا أصله كناية ثم شاع استعماله فصار اسما للموضع الذي يستقر به المرء.
ونصب (مَآباً) على الحال من (جَهَنَّمَ) أو على أنه خبر ثان لفعل (كانَتْ) أو على أنه بدل اشتمال من (مِرْصاداً) لأن الرصد يشتمل على أشياء مقصودة منها أن يكونوا صائرين إلى جهنم.
و (لِلطَّاغِينَ) متعلق ب (مَآباً) قدم عليه لإدخال الروع على المشركين الذين بشركهم طغوا على الله ، وهذا أحسن كما علمت آنفا. ولك أن تجعله متعلقا ب (مِرْصاداً) أو متنازعا فيه بين (مِرْصاداً) و (مَآباً) كما علمت آنفا.