يقدّر لها الإدراك مثل تقدير الإثمار للشجر ، وإنتاج الزريعة لتجدد الإنبات ، فذلك غير مراد من قوله : (فَهَدى) لأنها مخلوقة ومقدّرة ولكنها غير مهدية لعدم صلاحها للاهتداء ، وإن جعل مفعول (خَلَقَ) خاصا ، وهو الإنسان كان مفعول (قَدَّرَ) على وزانه ، أي تقدير كمال قوى الإنسان ، وكانت الهداية هداية خاصة وهي دلالة الإدراك والعقل.
وأوثر وصفا التسوية والهداية من بين صفات الأفعال التي هي نعم على الناس ودالة على استحقاق الله تعالى للتنزيه لأن هذين الوصفين مناسبة بما اشتملت عليه من السورة فإن الذي يسوي خلق النبي صلىاللهعليهوسلم تسوية تلائم ما خلقه لأجله من تحمل أعباء الرسالة لا يفوته أن يهيئه لحفظ ما يوحيه إليه وتيسيره عليه وإعطائه شريعة مناسبة لذلك التيسير قال تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] وقال : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) [الأعلى : ٨].
وقوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) تذكير لخلق جنس النبات من شجر وغيره. واقتصر على بعض أنواعه وهو الكلأ لأنه معاش السوائم التي ينتفع الناس بها.
والمراد : إخراجه من الأرض وهو إنباته.
والمرعى : النبت الذي ترعاه السوائم ، وأصله : إما مصدر ميمي أطلق على الشيء المرعيّ من إطلاق المصدر على المفعول مثل الخلق بمعنى المخلوق وإما اسم مكان الرعي أطلق على ما ينبت فيه ويرعى إطلاقا مجازيا بعلاقة الحلول كما أطلق اسم الوادي على الماء الجاري فيه.
والقرينة جعله مفعولا ل (أَخْرَجَ) ، وإيثار كلمة (الْمَرْعى) دون لفظ النبات ، لما يشعر به مادة الرعي من نفع الأنعام به ونفعها للناس الذين يتخذونها مع رعاية الفاصلة ...
والغثاء : بضم الغين المعجمة وتخفيف المثلثة ، ويقال بتشديد المثلثة هو اليابس من النبت.
والأحوى : الموصوف بالحوّة بضم الحاء وتشديد الواو ، وهي من الألوان : سمرة تقرب من السواد. وهو صفة (غُثاءً) لأن الغثاء يابس فتصير خضرته حوّة.
وهذا الوصف أحوى لاستحضار تغيّر لونه بعد أن كان أخضر يانعا وذلك دليل على تصرفه تعالى بالإنشاء وبالإنهاء. وفي وصف إخراج الله تعالى المرعى وجعله غثاء أحوى مع ما سبقه من الأوصاف في سياق المناسبة بينها وبين الغرض المسوق له الكلام إيماء إلى تمثيل حال القرآن وهدايته وما اشتمل عليه من الشريعة التي تنفع الناس بحال الغيث