ويجوز أن يكون تعريف (الْإِنْسانُ) تعريف العهد لشخص معين من الإنسان يعيّنه خبر سبب النزول ، فقيل : أريد به أمية بن خلف ، وكان ممن حواه المجلس الذي غشيه ابن أم مكتوم ، وعندي أن الأولى أن يكون أراد به الوليد بن المغيرة.
وعن ابن عباس أن المراد عتبة بن أبي لهب ، وذكر في ذلك قصة لا علاقة لها بخبر المجلس الذي غشيه ابن أم مكتوم ، فتكون الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، والمناسبة ظاهرة.
وجملة (ما أَكْفَرَهُ) تعليل لإنشاء الدعاء عليه دعاء التحقير والتهديد. وهذا تعجيب من شدة كفر هذا الإنسان.
ومعنى شدة الكفر أن كفره شديد كمّا وكيفا ، ومتى ، لأنه كفر بوحدانية الله ، وبقدرته على إعادة خلق الأجسام بعد الفناء ، وبإرساله الرسول ، وبالوحي إليهصلىاللهعليهوسلم ، وأنه كفر قوي لأنه اعتقاد قوي لا يقبل التزحزح ، وأنه مستمر لا يقلع عنه مع تكرر التذكير والإنذار والتهديد.
وهذه الجملة بلغت نهاية الإيجاز وأرفع الجزالة بأسلوب غليظ دال على السخط بالغ حدّ المذمة ، جامع للملامة ، ولم يسمع مثلها قبلها ، فهي من جوامع الكلم القرآنية.
وحذف المتعلّق بلفظ (أَكْفَرَهُ) لظهوره من لفظ «أكفره» وتقديره : ما أكفره بالله.
وفي قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) محسّن الاتّزان فإنه من بحر الرمل من عروضه الأولى المحذوفة.
وجملة (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) بيان لجملة (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) لأن مفاد هذه الجملة الاستدلال على إبطال إحالتهم البعث وذلك الإنكار من أكبر أصول كفرهم.
وجيء في هذا الاستدلال بصورة سؤال وجواب للتشويق إلى مضمونه ، ولذلك قرن الاستفهام بالجواب عنه على الطريقة المتقدمة في قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ـ ٢].
والاستفهام صوري ، وجعل المستفهم عنه تعيين الأمر الذي به خلق الإنسان لأن المقام هنا ليس لإثبات أن الله خلق الإنسان ، بل المقام لإثبات إمكان إعادة الخلق بتنظيره بالخلق الأول على طريقة قوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) [ق : ١٥] أي كما كان خلق