صفوف هؤلاء الخصيان الصقالبة صفوف العبيد الفحول شاكين في الأسلحة الرائقة والعدّة الكاملة ، وقامت التعبية في دار الجند والترتيب من رجّالة العبيد عليهم الجواشن والأقبية البيض ، وعلى رؤوسهم البيضات الصّقلبية (١) ، وبأيديهم التّراس الملوّنة والأسلحة المزيّنة ، انتظموا صفّين إلى آخر الفصل ، وعلى باب السّدّة الأعظم البوّابون وأعوانهم ، ومن خارج باب السّدّة فرسان العبيد إلى باب الأقباء (٢) ، واتّصل بهم فرسان الحشم وطبقات الجند والعبيد والرماة ، موكبا إثر موكب ، إلى باب المدينة الشارع إلى الصحراء ، فلمّا تمّت البيعة أذن للناس بالانفضاض ، إلّا الإخوة والوزراء وأهل الخدمة فإنهم مكثوا بقصر الزهراء إلى أن احتمل جسد الناصر ـ رحمه الله! ـ إلى قصر قرطبة للدفن هنالك في تربة الخلفاء.
وفي ذي الحجة من سنة خمسين تكاثرت الوفود بباب الخليفة الحكم من البلاد للبيعة والتماس المطالب ، من أهل طليطلة وغيرها من قواعد الأندلس وأصقاعها ، فتوصلوا إلى مجلس الخليفة بمحضر جميع الوزراء والقاضي منذر بن سعيد والملأ (٣) ، فأخذت عليهم البيعة ، ووقّعت الشهادات في نسخها.
وفي آخر صفر من سنة إحدى وخمسين أخرج الخليفة الحكم المستنصر بالله مولييه محمدا وزيادا ابني أفلح الناصري بكتيبة من الحشم لتلقّي غالب الناصر يالذي خرجوا إليه (٤) صاحب مدينة سالم المورد للطاغية أردون بن أذفونش الخبيث في الدولة المتملّك على طوائف من أمم الجلالقة والمنازع لابن عمّه المملّك قبله شانجه بن ردمير ، وتبرّع هذا اللعين أردون بالمسير إلى باب المستنصر بالله من ذاته ، غير طالب إذن ولا مستظهر بعهد ، وذلك عندما بلغه اعتزام الحكم المستنصر بالله في عامه ذلك على الغزو إليه ، وأخذه في التأهّب له ، فاحتال في تأميل المستنصر بالله والارتماء عليه ، وخرج قبل أمان يفقد له أو ذمّة تعصمه في عشرين رجلا من وجوه أصحابه ، تكنّفهم غالب الناصري الذي خرجوا إليه ، فجاء به نحو مولاه الحكم ، وتلقّاهم ابنا أفلح بالجيش المذكور فأنزلاهم ، ثم تحرّكا بهم ثاني يوم نزولهم إلى قرطبة ، فأخرج المستنصر بالله إليهم هشاما المصحفيّ في جيش عظيم كامل التعبية ، وتقدّموا إلى باب قرطبة ، فمرّوا بباب قصرها ، فلمّا انتهى أردون إلى ما بين باب السّدة وباب الجنان سأل عن مكان رمس (٥) الناصر لدين الله فأشير إلى ما يوازي موضعه من داخل القصر في الروضة ، فخلع
__________________
(١) في ب الصقيلة.
(٢) الأقباء : جمع قبو ، وهو البناء المقوس بعضه إلى بعض.
(٣) الملأ : هنا وجوه القوم وأصحاب الرأي والمشهورة.
(٤) الذي خرجوا إليه : ساقطة في ب.
(٥) الرمس : القبر.