ثم كانت وفاة أردون بن أذفونش ملك الجلالقة ، وذلك أن الناصر لمّا أعان عليه شانجه بن ردمير (١) ـ وهو ابن عمّه ، وهو الملك من قبل أردون ـ وحمل النصرانية على طاعته. واستظهر أردون بصهره فردلند قومس قشتيلة ، توقّع مظاهرة الحكم لشانجه كما ظاهره أبوه الناصر ، فبادر إلى الوفادة على الحكم مستجيرا به ، فاحتفل لقدومه ، وعبّى العساكر ليوم وفادته ، وكان يوما مشهودا وصفه ابن حيّان كما وصف أيام الوفادات قبله. ووصل إلى الحكم ، وأجلسه ، ووعده بالنصر من عدوّه ، وخلع عليه ، وكتب بوصوله ملقيا بنفسه ، وعاقده على موالاة الإسلام ، ومقاطعة فردلند القومس وأعطى على ذلك صفقة يمينه (٢) ، ورهن ولده غرسية ، ودفعت الصّلات والحملان له ولأصحابه. وانصرف معه وجوه نصارى الذمّة ليوطّدوا له الطاعة عند رعيّته ، ويقبضوا رهنه.
وعند ذلك بعث ابن عمّه شانجه بن ردمير ببيعته وطاعته مع قواميس أهل جلّيقية وسمّورة وأساقفتهم ، يرغب في قبوله ، ويمتّ بما فعل أبوه الناصر معه ، فتقبّل بيعتهم على شروط شرطها كان منها هدم الحصون والأبراج القريبة من ثغور المسلمين.
ثم بعث ملكا برشلونة وطرّكونة وغيرهما يسألان تجديد الصلح وإقرارهما على ما كانا عليه ، وبعثا بهدية ، وهي : عشرون صبيّا من الخصيان الصقالبة ، وعشرون قنطارا من صوف السمّور ، وخمسة قناطير من القصدير ، وعشرة أدراع صقلبيّة ، ومائتا سيف فرنجيّة ، فتقبّل الهدية وعقد على أن يهدموا الحصون التي تضرّ بالثغور ، وأن لا يظاهروا عليه أهل ملّتهم ، وأن ينذروا بما يكون من النصارى في الإجلاب على المسلمين.
ثم وصلت رسل غرسيه بن شانجه ملك البشكنس في جماعة من الأساقفة والقواميس يسألون الصلح ، بعد أن كان توقّف وأظهر المكر ، فقعد لهم الحكم ، فاغتبطوا ورجعوا.
ثم وفدت على الحكم أمّ لذريق بن بلاشك القومس بالقرب من جلّيقية ، وهو القومس الأكبر ، فأخرج الحكم لتلقّيها أهل دولته ، واحتفل لقدومها في يوم مشهود مشهور ، فوصلت وأسعفت ، وعقد السلم لابنها كما رغبت ، ودفع لها مالا تقسّمه بين وفدها ، دون ما وصلت به هي ، وحملت على بغلة فارهة بسرج ولجام مثقلين بالذهب وملحفة ديباج. ثم عاودت مجلس الحكم للوداع ، فعاودها بالصّلات لسفرها ، وانطلقت.
__________________
(١) في ب : رذمير.
(٢) أعطاه صفقة يمينه : عاهده.