لأدخلنّ عليك شذانقات ما دخل عليك مثلها قطّ ، عرّض له بالذي أضمره من السعي في إدخال رجال العرب عليه ، وهو لا يفطن ، فلم يتنهنه (١) يليان عندما استقرّ بسبتة عمله أن تهيّأ للمسير نحو موسى بن نصير الأمير ، فمضى نحوه بإفريقية ، وكلّمه في غزو الأندلس ، ووصف له حسنها وفضلها ، وما جمعت من أشتات (٢) المنافع ، وأنواع المرافق ، وطيب المزارع ، وكثرة الثمار ، وثرارة المياه وعذوبتها ، وهوّن عليه مع ذلك حال رجالها ، ووصفهم بضعف البأس وقلّة الغناء ، فشوّق موسى إلى ما هناك ، وأخذ بالحزم فيما دعاه إليه يليان ، فعاقده على الانحراف إلى المسلمين ، واستظهر عليه بأن سامه مكاشفة أهل ملّته من الأندلس المشركين والاستخراج إليهم بالدخول إليها وشنّ الغارة فيها ، ففعل يليان ذلك ، وجمع جمعا من أهل عمله ، فدخل بهم في مركبين وحلّ بساحل الجزيرة الخضراء ، فأغار وقتل وسبى وغنم ، وأقام بها أياما ، ثم رجع بمن معه سالمين ، وشاع الخبر عند المسلمين ، فأنسوا بيليان واطمأنّوا إليه ، وكان ذلك عقب سنة تسعين ، فكتب موسى بن نصير إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك يخبره بالذي دعاه إليه يليان من أمر الأندلس ، ويستأذنه في اقتحامها ، فكتب إليه الوليد : أن خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها ، ولا تغرّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ، فراجعه أنه ليس ببحر زخّار ، وإنما هو خليج منه يبيّن للناظر ما خلفه ، فكتب إليه : وإن كان فلا بدّ من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه. فبعث موسى عند ذلك رجلا من مواليه من البرابرة اسمه طريف يكنى أبا زرعة في أربعمائة رجل معهم مائة فرس سار بهم في أربعة مراكب ، فنزل بجزيرة تقابل جزيرة الأندلس المعروفة بالخضراء التي هي اليوم معبر سفائنهم ودار صناعتهم ، ويقال لها اليوم «جزيرة طريف» لنزوله بها ، وأقام بها أياما حتى التأم (٣) إليه أصحابه ، ثم مضى حتى أغار على الجزيرة فأصاب سبيا لم ير موسى ولا أصحابه مثله حسنا ، ومالا جسيما ، وأمتعة ، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين. فلما رأى الناس ذلك تسرّعوا إلى الدخول ، وقيل : دخل طريف في ألف رجل ، فأصاب غنائم وسبيا ، ودخل بعده أبو زرعة من البرابرة ، وليس بطريف ، في ألف رجل منهم أيضا فأصابوا أهل الجزيرة قد تفرّقوا عنها ، فضرّموا عامّتها بالنار ، وحرّقوا كنيسة بها كانت عندهم معظّمة ، وأصابوا سبيا يسيرا ، وقتلوا وانصرفوا سالمين.
وقال الرازي : هو أبو زرعة طريف بن مالك المعافري ، الاسم طبق الكنية.
قالوا : ثم عاود يليان القدوم على موسى بن نصير محرّكا في الاقتحام على أهل
__________________
(١) يتنهنه : يتريث.
(٢) في ب : أسباب.
(٣) في ب : تتامّ.