أي أقيموا (١) نقاتل ، فإنّ موت كلّ نفس يجري بقدر الله تعالى (٢) ، لا الجبن ينجيه ، ولا الإقدام يرديه (٣) ، لم يعطف (٤) ، ـ نزاولها ـ على أرسوا ، لأنّه (٥) خبر لفظا ومعنى ، وأرسوا إنشاء لفظا ومعنى (٦) ، وهذا (٧) مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين
________________________________________
(١) أي أقيموا في هذا المكان الملائم للحرب نقاتل.
(٢) فقال تعالى : (يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
(٣) أي لا الجبن ينجيه من الموت ، ولا الإقدام يهلكه ، وهذا المعنى مبنيّ على أنّ ضمير «نزاولها» للحرب.
(٤) هذا بيان لكمال الانقطاع ، وعدم الوصل.
(٥) أي لأنّ «نزاولها» خبر لفظا ومعنى.
(٦) لأنّ «أرسوا» أمر ، وكلّ أمر إنشاء لفظا ومعنى ، وذلك مانع من العطف ، باتّفاق البيانيّين باعتبار مقتضى البلاغة ، وما يجب أن يراعى فيها ، وأمّا عند أهل اللّغة ففيه خلاف ، فالجمهور على أنّه لا يجوز ، وجوّزه الصّفّار ، فيجوز أن يقال : حسبي الله ونعم الوكيل ، بناء على أنّ إحدى الجملتين خبر ، والأخرى إنشاء ، وقيل : إنّ المنع بالنّظر للبلاغة ، ومراعاة المطابقة لمقتضى الحال ، والجواز إذا لم تراع المطابقة لمقتضى الحال ، وحينئذ فتجويزه بالنّظر للّغة ، لا بالنّظر للبلاغة ، فلا خلاف بين الفريقين.
(٧) هذا جواب عمّا يقال اعتراضا على المصنّف : إنّ الكلام في الجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب ، والجملتان في البيت الّذي مثّل به لهما محلّ من الإعراب ، لأنّهما معمولتان ل «قال» ، وحينئذ فالتّمثيل غير مطابق.
وحاصل ما أجاب به الشّارح : إنّ هذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين مع قطع النّظر عن كونهما معا لا محلّ لهما من الإعراب والحاصل : إنّ كمال الانقطاع نوعان :
أحدهما : فيما ليس له محلّ من الإعراب ، وهذا يوجب الفصل.
وثانيهما : فيما له محلّ من الإعراب ، وهذا لا يوجبه ، وهذا المثال من الثّاني دون الأوّل ، وحينئذ فهو مثال لمطلق كمال الانقطاع ، لا الّذي كلامنا فيه ، وهو ما يوجب الفصل.
وقيل : إنّ منع العطف بين الإنشاء والخبر له ثلاثة شروط : أوّلا : أن يكون بالواو ، وثانيا : أن يكون فيما لا محلّ له من الإعراب من الجمل ، وثالثا : أن لا يوهم خلاف المراد.