والمراد به (١) ههنا ما به التّشابه ، أعني وجه التّشبيه [من نفس التّضادّ (٢) لاشتراك الضّدّين فيه] أي في التّضاد ، لكون كلّ منهما مضادّا للآخر [ثمّ ينزّل] التّضاد [منزلة التّناسب بواسطة تمليح] أي إتيان بما فيه ملاحة وظرافة ، يقال : ملح الشّاعر ، إذا أتى بشيء مليح ، وقال الإمام المرزوقي في قول الحماسيّ :
أتاني من أبي أنس وعيد |
|
فسلّ لغيظة الضّحّاك جسمي (٣) |
________________________________________
كالفرق بين التّضارب والضّرب ، فالتّشابه هو مماثلة كلّ من الأمرين للآخر ، بخلاف الشّبه ، فإنّه مماثلة شيء لشيء ولبّ الأوّل مساواة الطّرفين فيما به التّشابه ، ومغزى الثّاني كونهما مختلفين فيه قوّة وضعفا ، كما في المفصّل في شرح المطوّل للمرحوم الشّيخ موسى البامياني.
(١) أي المراد بالشّبه «ههنا» ، أي في قول المصنّف ما يقع به التّشابه لا نفس التّماثل والمثل ، أي التّشابه والشّبه ، فذكر الشّبه بمعنى التّشابه ، وإرادة ما به التّشابه من قبيل ذكر السّبب وإرادة المسبّب ، لأنّ ما به التّشابه سبب ، والتّشابه مسبّب.
(٢) أي من غير ملاحظة شيء عدا التّضادّ من أوصاف المتضادّين ، بيان ذلك أنّ وجه الشّبه في قولك : زيد الجبان كالأسد منتزع من التّضادّ ، لأنّا ننزّل تضادّ الجبن والشّجاعة لمكان اشتراكهما فيه ، حيث إنّ كلّا منهما ضدّ للآخر منزلة التّناسب تمليحا أو تهكما ، فيصبح الجبن أيضا شجاعة تنزيليّة ، ثمّ ينتزع من الشّجاعة الحقيقيّة الكائنة في الأسد ، والشّجاعة التّنزيليّة الكائنة في زيد ، شجاعة مطلقة كلّيّة شاملة لهما ، ويشبه زيد بالأسد في هذه الشّجاعة المطلقة.
فظهر من هذا البيان أنّ معنى انتزاع وجه الشّبه من التّضادّ جعله وسيلة لجعل الشّيء وجه شبه ، لا أنّه منشأ لانتزاعه ، كالأشياء المتعدّدة في وجه الشّبه المركّب ، فإنّ منشأ الانتزاع بهذا المعنى الوصفان المتضادّان بعد جعلهما متناسبين.
وكم فرق بين المتضادّين والتّضادّ ، ثمّ المراد بالتّضادّ مطلق التّنافي كان تضادّا أو تناقضا ، أو شبه تضادّ.
(٣) شرح مفردات البيت «أتاني» بمعنى بلغني ، «أبو أنس» كنية رجل ، «وعيد» بمعنى تهديد ، «سلّ» على صيغة المبني للمفعول بمعنى هلك ، أو أبلى بالسّلّ ، وهو مرض معروف ،