وفي قوله ، منها : أن يدلّ أدنى (١) تسامح ، فكأنّه على حذف مضاف ، [ومنها (٢) : أن يدلّ العقل عليهما] أي على الحذف وتعيين المحذوف [نحو : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) (٣)] فالعقل يدلّ على امتناع مجيء الرّبّ تعالى وتقدّس (٤) ، ويدلّ على تعيين المراد أيضا (٥) [أي أمره أو عذابه] فالأمر المعيّن الّذي دلّ عليه العقل هو أحد الأمرين لا أحدهما (٦) على التّعيين.
________________________________________
(١) أي تسامح أدنى ، أي منحطّ ، وذلك لأنّ «أن يدلّ» بمعنى الدّلالة ، حيث إنّ الفعل المنصوب بأن مؤوّل بالمصدر ، أعني الدّلالة ، وهي ليست من الأدلّة ، «فكأنّه على تقدير مضاف» هذا تصحيح لعبارة المصنّف ، وتقدير المضاف في قوله : «وأدلّته كثيرة» فالتّقدير ودلالة أدلّته كثيرة.
(٢) أي من دلالة الأدلّة ، أن يدلّ العقل على الحذف وتعيين المحذوف بأن يكون مستقلّا بإدراك الأمرين بالدّليل القاطع من غير توقّف على قرائن في العبارة أصلا ، وإلّا لكان الدّالّ هو الّذي يكون الكلام مكتنفا به من القرينة.
(٣) والشّاهد في الآية : كونها من إيجاز حذف لمكان حذف المضاف فيها ، ويدلّ على أصل الحذف ، وعلى تعيين المحذوف العقل ، وهو أمره أو عذابه.
(٤) لأنّ المجيء يستلزم الانتقال من مكان إلى مكان ، وهذا مستلزم لكون الجائي جسما ، والله سبحانه ليس بجسم ، فيمتنع مجيئه.
(٥) أي كدلالته على امتناع مجيء الرّبّ.
(٦) جواب عن سؤال مقدّر ، توضيح السّؤال أنّ أو في قوله : «أو عذابه» للإبهام والتّرديد ، فالمعنى حينئذ إنّ المحذوف إمّا أمر الله أو عذابه ، فلا تعيين للمحذوف ، فكيف يصحّ القول بأنّ العقل يدلّ على التّعيين.
وحاصل الجواب : إنّ العقل يعيّن الأحد الدّائر بينهما ، والأحد الدّائر بين الأمرين معيّن نظرا إلى عدم ثالث لهما ، وإن كان مبهما بالنّسبة لهما ، فالتّعيين في الآية تعيين نوعي ، وليس تعيينا شخصيّا ، ومراد المصنّف من التّعيين هو الأعمّ من الشّخصيّ والنّوعي.
وبعبارة أخرى :
إنّ ذكر كلمة أو للإشارة إلى أنّ المعيّن أحد الأمرين لا ثالث في البين ، وليس ذكرها
__________________
(١) سورة الفجر : ٢٢.