ومنه (١) قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(١) ، فعندي (٢) إنّ قوله : (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) عطف على الشّرطيّة (٣) قبلها لا على الجزاء ، أعني قوله : (لا يَسْتَأْخِرُونَ) ، إذ لا معنى لقولنا : إذا جاء أجلهم لا يستقدمون (٤). [تذنيب (٥)] هو (٦) ، جعل الشّيء ذنابة (٧) ، للشّيء ، شبّه (٨) ، به ذكر بحث الجملة
________________________________________
(١) من باب الإطلاق في إحداهما والتّقييد في الأخرى قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
والشّاهد في هذه الآية : على رأي الشّارح إنّ جملة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) المطلقة من الشّرط عطفت على جملة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) المقيّدة بالشّرط ، والمعنى حينئذ : لا يستقدمون قبل مجيء الأجل ، ولا يصحّ عطفها على الجزاء أعني (لا يَسْتَأْخِرُونَ) إذ حينئذ يكون قوله (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) جزاء ، مثل قوله : (لا يَسْتَأْخِرُونَ) فيلزم نفي ما هو معلوم الاستحالة ، لأنّ الوقت الّذي جاء الأجل فيه بالفعل لا يمكن قبله موتهم حتّى ينفى.
(٢) أي لأنّ عندي ، لأنّ الفاء للتّعليل ، فهو علّة لقوله : «ومنه قوله تعالى».
(٣) أي مجموع الشّرط والجزاء كما هو الظّاهر.
(٤) لأنّ الاستقدام إنّما يتصوّر على تقدير عدم مجيء الأجل لا على تقدير مجيئه.
(٥) الفرق بين التّذنيب والتّنبيه اصطلاحا مع اشتراكهما في أنّ كلا منهما متعلّق بالمباحث المتقدّمة أنّ ما يذكر في حيّز التّنبيه هو بحيث لو تأمّل المتأمّل في المباحث المتقدّمة لفهمه منها ، بخلاف التّذنيب ، والتّقدير هذه تذنيب.
(٦) أي التّذنيب بحسب الأصل جعل الشّيء تابعا للشّيء.
(٧) أي بكسر الذّال وضمّها مؤخّر الشّيء ، ومنه الذّنب الّذي هو مؤخّر الحيوان.
(٨) أي شبّه المصنّف «به» ، أي بجعل الشّيء ذنابة للشّيء ، أي شبّه ذكر بحث الجملة الحاليّة عقيب بحث الفصل والوصل بجعل الشّيء ذنابة للشّيء بجامع التّتميم والتّكميل في كلّ أو بجامع إيجاد الشّيء متّصلا بآخر الشّيء اتّصالا يقتضي عدّه من أجزائه.
وحاصل الكلام إنّ المصنّف شبّه في نفسه تعقيب هذا الباب بالبحث عن الجملة الحاليّة ، بجعل الشّيء ذنابة لشيء بجامع التّكميل والتّتميم في كلّ ، إذ كما أنّ جعل الذّنابة لشيء
__________________
(١) سورة الأعراف : ٣٣.