[ومنها أن يدلّ العقل عليه والعادة على التّعيين نحو : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(١) (١)] فإنّ العقل دلّ على أنّ فيه (٢) حذفا ، إذ لا معنى للوم الإنسان على ذات الشّخص (٣). وأمّا تعيين المحذوف [فإنّه يحتمل] أن يقدّر (٤) [في حبّه لقوله تعالى : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) (٥) ، وفي مراودته (٦) لقوله تعالى : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) وفي شأنه (٧)
________________________________________
للدّلالة على أنّ المقدّر هو المعيّن المشخّص ، أي إمّا الأمر وإمّا العذاب حتّى يكون المراد التّعيين الشّخصيّ ، وكان هذا التّرديد مناقضا له.
(١) تمام الآية :
(وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) ،
والشّاهد في الآية :
إنّها مشتملة على حذف المضاف يدلّ عليه العقل ، وتدلّ العادة على تعيين المحذوف وهو المراودة.
(٢) أي في قوله تعالى ، مضافا محذوفا.
(٣) أي لأنّ اللّوم لا يتعلّق عرفا بالذّواتّ ، لأنّ ما يتعلّق به اللّوم لا بدّ أن يكون مقدورا ، فإنّ الذّمّ واللّوم على أمر غير مقدور قبيح عقلا ، بل إنّما يلام الإنسان عرفا على أفعاله الاختياريّة.
(٤) وحاصل الكلام في المقام :
إنّ العقل وإن أدرك أنّ قبل الضّمير في «فيه» حذفا ، لكن لا يدرك عين ذلك المحذوف ، لأنّ ذلك المقدّر يحتمل احتمالات ثلاثة ، والمعيّن لأحدها هو العادة.
(٥) حبّا تمييز محوّل عن الفاعل ، أي قد شغفها حبّه ، أي أصاب حبّه شغاف قلبها ، وشغاف القلب غلافه وغشاؤه ، أعني الجلدة الّتي دونه كالحجاب ، وإصابة الحبّ لشغاف قلبها كناية عن إحاطة حبّها له بقلبها.
(٦) أي يحتمل أن يقدّر المحذوف فيه في مراودته لقوله تعالى حكاية عن اللّوائم : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) أي تخادعه وتطالبه مرّة بعد أخرى برفق وسهولة لتنال شهوتها منه.
(٧) أي يحتمل أن يقدّر المحذوف فيه في شأنه ، وهذا هو الاحتمال الثّالث والأخير.
__________________
(١) سورة يوسف : ٣٢.