بمنزلة (١) الملكة والفصل بمنزلة عدمها ، والأعدام إنّما تعرف بملكاتها ، بدأ في التّعريف بذكر الوصل ، فقال : [الوصل عطف بعض (٢) الجمل على بعض ، والفصل تركه] أي ترك (٣) عطفه عليه
________________________________________
(١) زاد المنزلة ، لأنّ الفصل والوصل أمران اعتباريان عارضان لنوع من الكلام ، وتقابل العدم والملكة إنّما يكون في الأمور الموجودة في الخارج ، لا في الأمور الاعتباريّة ، فلذا قال : «كان الوصل بمنزلة الملكة ، والفصل بمنزلة عدمها».
اعلم أنّ للملكة فردين : الأوّل : ما من شأنه أن يقوم بالشّيء باعتبار جنسه بأن يكون جنسه شأنه أن يقوم به ذلك الأمر ، كالبصر لأفراد الحيوان.
والثّاني : ما من شأنه أن يقوم بالشّيء باعتبار شخصه كالعلم لأفراد الإنسان ، ولا شكّ أنّ الجملتين شأنهما الوصل جنسا ، وقد لا يكون شأنهما الوصل شخصا بأن كان بينهما كمال الانقطاع ، فقول الشّارح : «بمنزلة الملكة» ، إنّما زاد لفظة «منزلة» نظرا للفرد الثّاني ، وقوله في المطوّل : (فبينهما تقابل العدم والملكة) بإسقاط المنزلة ناظر إلى الفرد الأوّل على ما قيل.
(٢) أي الوصل في الاصطلاح : هو عطف بعض الجمل على بعض ، وفي اللّغة : ضدّ الافتراق الّذي هو معنى الفصل فيها.
لم يقل : عطف جملة على جملة ، وقال : «عطف بعض الجمل على بعض» ليشمل العطف الواقع بين جملتين فقطّ ، والواقع بين الجمل المتعدّدة كعطف جملتين على جملتين مثلا ، وظاهر تعريفه للفصل والوصل أنّهما لا يجريان في المفردات ، وليس كذلك ، بل الفصل والوصل ، كما يجريان في الجمل يجريان في المفردات ، ولا يختصّان بالجمل ، كما يوهمه كلام المصنّف.
(٣) التّفسير إشارة إلى ردّ ما يقال : إنّ ما ذكره المصنّف من أنّ الفصل تركه ، لا يصحّ لصدقه على ترك العطف في الجملة الواحدة المبتدأ بها.
وجه الرّدّ : إنّ الضّمير في قوله : «تركه» لا يكون راجعا إلى العطف المطلق ، بل راجع إلى عطف بعض الجمل على البعض ، على ما هو المتفاهم عرفا ، فإذا لا مجال لدعوى صدقه على تركه في جملة واحدة مبتدأ بها ، فإنّ المتبادر من العبارة على التّقدير المذكور أن يكون في الكلام ما يمكن أن يعطف عليه ، فترك فيه العطف ، والجملة الواحدة ممّا لا يمكن العطف فيه.