لأنّه (١) إذا أقيم مقام كلّ لفظ ما يرادفه (٢) فالسّامع إن علم الوضع فلا تفاوت في الفهم وإلّا (٣) لم يتحقّق الفهم ، وإنّما قال : لم يكن كلّ واحد (٤)
________________________________________
(١) علّة لقوله «امتنع ...».
(٢) بأن يقام ويوضع مقام خدّه وجنته ، ومقام يشبه يماثل ، ومقام الورد الزّهر ، ويقال : وجنته يماثل الزّهر ، فإن كان السّامع عالما بالوضع ، أي بوضع هذه المفردات ينتقل إلى المعنى التّركيبي ، أي ثبوت المماثلة للنّبت المخصوص للعضو المخصوص من الممدوح على وتيرة انتقاله إليه ، من قولك : خدّه يشبه الورد ، وإلّا فلا ، فالأمر دائر بين الوجود والعدم ، لا بين الوضوح والخفاء بعد ثبوت الدّلالة في كلّ منهما ، بخلاف الدّلالة التّضمنيّة والالتزاميّة فإنّها تختلف باختلاف العبارات كقولك عند إرادة تفهيم ثبوت الجود لزيد : زيد كثير الرّماد ، وزيد مهزول الفصيل ، فإنّهما يختلفان في الوضوح والخفاء ، لأنّ المثال الأوّل أشهر استعمالا من الثّاني ، فيكون أوضح دلالة.
(٣) أي وإن لم يعلم الوضع لم يفهم شيئا أصلا ، حتّى يكون هناك تفاوت في الدّلالة وضوحا وخفاء.
(٤) أي قال المصنّف : «لم يكن كلّ واحد» ، ممّا يدلّ على السّلب الجزئي دون أن يقول لم يكن واحد منها ممّا يدلّ على السّلب الكلّي ، وإنّما كان الأوّل سلبا جزئيا لوقوع كلّ في حيز النّفي المفيد لسلب العموم ، وهو سلب جزئي ، وإنّما كان الثّاني سلبا كلّيّا ، لأنّ واحد نكرة واقعة في سياق النّفي فتعمّ عموما شموليّا ، فيكون المراد عموم السّلب ، وهو سلب كلّي.
وحاصل الفرق بين التّعبيرين : أنّ الأوّل سلب جزئي ، وقد ثبت في محلّه أنّ السّالبة الجزئيّة أعمّ ، حيث إنّها صادقّة مع السّلب الكلّي بأن لا يكون السّامع عالما بوضع شيء منها ، فلا يكون شيء منها دالا ، ومع السّلب الجزئي بأن يكون عالما بوضع بعض منها دون بعض ، فيكون بعضها دالا ، والثّاني سلب كلّي ، كما عرفت ، وذلك لا يصدق إلّا إذا لم يكن عالما بشيء منها ، وحيث إنّ المتحقّق في الواقع عند انتفاء الموجبة الكلّيّة أمران : السّلب الكلّي والسّلب الجزئي ، أتى المصنّف بما يدلّ على رفع الإيجاب الكلّي كان متحقّقا في ضمن السّلب الكلّي والسّلب الجزئي ، ولم يأت بما يدلّ على السّلب الكلّي ، أي لم يقل : وإلّا لم يكن واحد منها دالا ، لأنّه لا يشمل فرض تحقّق السّلب الجزئي.