وهرع ابو بكر بن عبد الرحمن المخزومي (١) الى الامام فقال له : «إن الرحم يظأرني (٢) عليك ولا أدري كيف أنا في النصيحة؟ كان أبوك أشد بأسا ، والناس له ارجى ، ومنه اسمع ، وعليه اجمع فسار الى معاوية ، والناس مجتمعون عليه إلا اهل الشام ـ وهو اعز منه ـ فخذلوه وتثاقلوا عنه حرصا على الدنيا وضنا بها فجرعوه الغيظ ، وخالفوه حتى صار الى ما صار إليه من كرامة اللّه ورضوانه ... ثم صنعوا بأخيك بعد ابيك ما صنعوا ـ وقد شهدت ذلك كله ورأيته ـ ثم أنت تسير إلى الذين عدوا على ابيك واخيك تقاتل بهم اهل الشام واهل العراق ، ومن هو اعد منك ، واقوى ، والناس منه اخوف ، وله ارجى ، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطعموا الناس بالأموال ـ وهم عبيد الدنيا ـ فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحب إليه من ينصره ، فاذكر اللّه في نفسك ..».
وشكر له الامام نصيحته وعواطفه ، وعرفه انه مصمم على ما عزم عليه ، ويئس ابو بكر فانطلق وهو يقول :
«عند اللّه نحتسب أبا عبد اللّه»
__________________
(١) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي القرشي أحد الفقهاء السبعة ، ولد في خلافة عمر ، وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته ، وكان مكفوفا ، وهو من سادات قريش توفى سنة (٩٥ ه) جاء ذلك في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠.
(٢) يظأرني : أي يدفعني عليك العطف والجنو