جواده وأخذ معه القربة ، فاقتحم الفرات وقد استطاع بقوة بأسه أن يفك الحصار الذي فرض على الماء وقد انهزم الجيش من بين يديه فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك ، وقد انتهى الى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتت من العطش ، واغترف من الماء غرفة ليشرب منه الا انه تذكر عطش أخيه ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله وهو يقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني |
|
وبعده لا كنت أن تكوني |
هذا الحسين وارد المنون |
|
وتشربين بارد المعين |
تالله ما هذا فعال ديني (١)
ان الانسانية بكل اجلال واكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألفت في دنيا الفضيلة والاسلام ، وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الانسانية والمثل العليا.
لقد كان هذا الايثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان من ابرز الذاتيات في خلق أبي الفضل ، فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان لأخيه أن يشرب من الماء قبله ، فأي ايثار أنبل أو اصدق من هذا الايثار لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه ، وتفاعلت روحه مع روحه ، فلم يعد هناك أي تعدد في الوجود بينهما واتجه فخر هاشم مزهوا نحو المخيم بعد ما ملأ القربة وهي عنده اغلى واثمن من الحياة ، والتحم مع الأعداء التحاما رهيبا فقد أحاطوا به ليمنعوه من ايصال الماء إلى عطاشى أهل البيت ، وأشاع فيهم البطل القتل فأخذ يحصد الرءوس ويجندل الأبطال وهو يرتجز :
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٢٢٦)