الفتنة ، ولم ينسد بعد ذلك أبداً سدّاً تامّاً ، ولم يمكن ذلك الحين المحافظة على وحدة ممثلة في شخص إمام على رأس الجماعة إلاّ في الظاهر على الأكثر وبالقوة والقهر. فالحقيقة أنّ الجماعة قد انشقّت وتفرّقت شيعاً وأحزاباً ، كل منها يحاول أن يفرض سلطانه السياسي ، وأن يلجأ للسيف تأييداً لإمامه على الإمام الحاكم بالفعل (١).
لقد انتشرت الأطماع السياسية ، وتهالك النفعيّون على الوصول إلى كرسي الحكم ، مما أدّى إلى إشاعة الفتن والفوضى في جميع أنحاء البلاد.
٦ ـ التطبيل بدم عثمان ، واتخاذه شعاراً للفتنة وإراقة الدماء ، والتمرّد على القانون لا من قِبَل الاُمويِّين فقط وإنما من قِبَل جميع الفئات الطامعة في الحكم ؛ كطلحة والزبير وعائشة وغيرهم من الذين ساهموا مساهمة إيجابية في الثورة على عثمان ، وقد أطلت في سبيل هذه الأطماع الرخيصة أنهار من الدماء الزكيّة ، وشاع الثكل والحداد في ربوع الوطن الإسلامي.
هذه بعض المتارك التي خلّفتها حكومة عثمان ، وهي ـ من دون شك ـ قد أثّرت تأثيراً عميقاً في تطوّر الأحداث ، واتجاه المجتمع نحو الأطماع السياسية ، وانتشار الانتهازية والوصولية بشكل فظيع مما أدّى إلى الصراع العنيف على الحكم ، وتحوّل الحكومة الدينية إلى الملكية التي لا تعنى بأيّ حال باُمور الإسلام وتطبيق أهدافه.
كما باعدت ما بين المسلمين وبين أهل البيت (عليهم السّلام) الذين نصّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) على إمامتهم ، وأوصى الاُمّة باتّباعهم ، فقد تحطّمت بشكل سافر تلك القدسية التي أحاطهم بها ، واتّجهت السلطات التي تلت حكومة الخلفاء إلى تمزيق أوصالهم والتنكيل بهم ، ولم ترعَ فيهم قرابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) التي هي أحقّ بالرعاية من كل شيء.
بقي هنا شيء وهو أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) كان في عهد عثمان في
__________________
(١) تاريخ الدولة العربية / ٥٠ ـ ٥١.