وعادوا عليها بالخير العميم ، ولكنهم انطلقوا وراء شهوات المُلك والسلطان ، وتحقق ما تنبّأ به الإمام ؛ فلم يمضِ قليل من الوقت حتّى انتضت السيوف وانتشرت الحروب ، وسادت الفتن والأهواء ، وصار بعضهم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة.
وعمّ الجدل بين القوم فلم ينتهوا إلى غاية مريحة فانفضت الجلسة على غير طائل ، وجماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة ، وعقد الاجتماع مرّة اُخرى إلاّ أنّه باء بالفشل ، فأشرف عليهم أبو طلحة الأنصاري وهو يتهدّد ويتوعّد ، قائلاً : لا والذي نفس عمر بيده ، لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أمرتم.
واقترب اليوم الثالث ، وهو آخر موعد للقوم ، فانعقد الاجتماع وبدت فجأة الاندفاعات القبلية التي شذت عن مصلحة الاُمّة ، فقد انبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان ، وإنما فعل ذلك استجابة لعواطفه المترعة بالكراهية للإمام ؛ لأنه نافس ابن عمّه أبا بكر على الخلافة ، واندفع الزبير فوهب حقّه للإمام ؛ لأنه تربطه به رحم ماسّة. وانطلق سعد فوهب حقّه لابن عمّه عبد الرحمان بن عوف ؛ تقوية لجانبه ، وتعزيزاً لمركزه.
وكان رأي عبد الرحمان هو الفيصل ، وجانبه هو المرموق ؛ لأن عمر قد وضع ثقته به ، وأناط به أمر الشورى ، إلاّ أنه كان ضعيف الشخصية هزيل الإرادة ، لا قدرة له على تحمّل مسؤولية الحكم فأجمع رأيه على أن يرشّح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان ؛ لأنه صهره ، وقد استشار عامّة القرشيِّين في الأمر فزهدوه في علي ، وحرّضوه على انتخاب عثمان ؛ لأنه يحقق أطماعهم ورغباتهم.