اُختها اُمامة ؛ لأنها تقوم برعاية ولديها الحسن والحسين اللذَين هما أعزّ عندها من الحياة ، وعهدت إليه أن يخفي موضع قبرها ليكون رمزاً لغضبها غير قابل للتأويل على مرّ الأجيال الصاعدة ، وضَمِن لها الإمام جميع ما عهدت إليه ، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون.
وأسرّت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى أسماء بنت عميس ، فقالت لها : «إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء بعد موتهنّ».
فقد كانت العادة أن يدرج على المرأة ثوب فيصفها لمَن رأى ، وقد كرهتْ ذلك فأحبت أن يصنع لها سرير لا يبدو فيه جسدها ، فعملت لها أسماء سريراً يستر مَن فيه قد شاهدته حينما كانت في الحبشة ، فلمّا نظرت إليه سرّت به ، وابتسمت وهي أوّل ابتسامة شوهدت لها منذ أن لحق أبوها بالرفيق الأعلى (١).
وفي آخر يوم من حياتها أصبحت وقد ظهر بعض التحسّن على صحّتها ، وكانت بادية الفرح والسرور فقد علمت أنها في يومها تلحق بأبيها ، وعمدت إلى ولديها فغسّلت لهما ، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما ، وهي تلقي عليهما نظرة الوداع ، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد ، وخرج الحسنان ، وقد هاما في تيّار من الهواجس ، وأحسّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان ، والتفتت وديعة النبي إلى سلمى بنت عميس ، وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها ، فقالت لها : «يا اُمّاه».
ـ نعم يا حبيبة رسول الله.
ـ «اسكبي لي غسلاً».
فانبرت وأتتها بالماء ، فاغتسلت فيه ، وقالت لها ثانياً :
__________________
(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٢.