فأمر (صلّى الله عليه وآله) الفضل أن يعطيها له ، وعاد (صلّى الله عليه وآله) في خطابه فقال :
«أيها الناس ، مَن عنده من الغلول شيء فليردّه». فقام إليه رجل فقال له : يا رسول الله ، عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.
قال (صلّى الله عليه وآله) : «لِمَ غللتها؟».
ـ كنت إليها محتاجاً.
فأمر (صلّى الله عليه وآله) الفضل أن يأخذها منه فأخذها ، وعاد (صلّى الله عليه وآله) في مقالته فقال (صلّى الله عليه وآله) : «أيها الناس ، مَن أحسّ من نفسه شيئاً فليقم أدع الله له».
فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، إنّي لمنافق ، وإنّي لكذوب ، وإنّي لشؤوم. فزجره عمر فقال له : ويحك أيها الرجل! لقد سترك الله لو سترت على نفسك. فصاح به النبي (صلّى الله عليه وآله) : «صه يابن الخطاب ، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة».
ودعا للرجل فقال : «اللّهمّ ارزقه صدقاً وإيماناً ، واذهب عنه الشؤم» (١).
وانبرى إليه رجل من أقصى القوم يسمّى سوادة بن قيس فقال له : يا رسول الله ، إنك ضربتني بالسوط على بطني ، وأنا أريد القصاص منك فأمر (صلّى الله عليه وآله) بلالاً أن يحضر السوط ليقتصّ منه سوادة ، وانطلق بلال وهو مبهور ، فراح يجوب في أزقّة يثرب وهو رافع عقيرته قائلاً : أيها الناس ، أعطوا القصاص من أنفسكم في دار الدنيا ، فهذا رسول الله قد أعطى القصاص من نفسه.
ومضى إلى بيت النبي فأخذ السوط وجاء به إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، فأمر أن
__________________
(١) البداية والنهاية ٥ / ٢٣١.