سورة الأحزاب
مدنية بالإجماع ، ثلاث وسبعون آية ، ألف ومائتان وثمانون
كلمة ، خمسة آلاف وتسعمائة وتسعون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي المجاهرين بالكفر ، (وَالْمُنْفِقِينَ) المضمرين له. نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي. وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ، رأس المنافقين ، بعد قتال أحد ، وقد أعطاهم النبي صلىاللهعليهوسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ وعنده عمر بن الخطاب رضياللهعنه ـ ارفض ذكر آلهتنا اللات ، والعزى ، ومناة وقل : إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك ، فسق ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال عمر : يا رسول الله ائذن لنا في قتلهم فقال : «إني أعطيتهم الأمان» فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه ، فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يخرجهم من المدينة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١) أي مبالغا في العلم والحكمة ، فيعلم جميع الأشياء من المصالح والمفاسد ، فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحة ولا ينهاك إلا عن ما فيه مفسدة ، ولا يحكم إلا بما يقتضيه الحكمة البالغة ، (وَاتَّبِعْ) في كل ما تأتي وما تذر من أمور الدين (ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٢) فلا تهتم بشأنهم فإن الله تعالى كافيكه.
وقرأ أبو عمرو «بما يعملون» بالغيبة ، فالواو ضمير يعود على الكفرة والمنافقين (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوض جميع أمورك إليه ، (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) أي حافظا موكولا إليه كل الأمور. (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ؛ نزلت هذه الآية في أبي معمر جميل بن أسد الفهري ، كان رجلا لبيبا ، حافظا لما يسمع. فقالت قريش : ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا من أجل أن له قلبين ، وكان هو يقول : لي قلبان أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فلما هزم الله المشركين بوم بدر انهزم أبو معمر ، فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه بيده والأخرى برجله ، فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس؟ فقال : انهزموا. فقال : ما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى